قوله تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}
  من الجهاد في سبيله، والانفاق في طاعته، والإتباع لرسوله فيما أمروا به من الجهاد، والصبر مع الرسول في البلاء، حتى يتبين للرسول الصادق في فعله وقوله، والكاذب فيما يظهر من نفسه للرسول؛ فلما افترض ذلك عليهم، وجعله حجة له باقية فيهم، لا يسعهم تركها، ولا يجوز لهم رفضها - لهج لذلك المؤمنون، وبسم له المتقون، وقولهم بفعلهم صدقوا، ونكل المنافقون، ورضوا بالتخلف عن رسول الله وعصوا؛ فبان بذلك المؤمنون من الفاسقين، والصادقون من المنافقين، ومازهم بذلك رب العالمين؛ فوقف الرسول ومن معه على ذلك من فعلهم، وعرفوهم بما كان من عملهم.
  وقد يكون الميز من الله لهم: بما حكم به في الأخرة عليهم ولهم، من الثواب للمتقين، والعذاب للفاسقين.
  وقال في مجموع المرتضى بن الهادي @:
  وسألت: عن قول الله سبحانه: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، فقلت: ما معنى هذا، وهل تقرأ: «يبين الخبيث من الطيب»؟
  قال محمد بن يحيى #: هذه الآية نزلت في المؤمنين والمنافقين من قبل فرض الجهاد، فكان المؤمنون الصادق قولهم، الخالصة نياتهم، الصحيحة عزائمهم - يقولون: يا رسول الله، لو فرض الله الجهاد عليك، كما فرضه على من كان قبلك، أو امتحنا بما كان يمتحن به الأمم من قبلنا - لسلمنا ولقمنا، واجتهدنا وأبلينا في الله ونصحنا. وكان المنافقون يقولون مثل قول المؤمنين سواء، ويصفون عن أنفسهم ما يصفه المؤمنون من نياتهم، فاستووا في الظاهر، واختلفوا في الضمائر، فلم يفرق بينهم في الضمائر شيء من الأمور؛ فأنزل الله تبارك وتعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من