تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا}

صفحة 28 - الجزء 1

  والمعنى في ذلك عندي، والله الموفق للصواب: أن معنى قول أهل الجنة: {هذا الذي رزقنا من قبل} يريدون بذلك: أنه لا يصل بهم من الله ø رزق إلا أعجبهم، ووقع بموافقتهم، ثم تصل بهم أرزاق من بعد ذلك تكون في الجودة والسرارة والموافقة كالأول سواء؛ لأن أرزاق الدنيا منها موافق، ومنها مخالف، ومنها طيب، ومنها ردي، ومنها مكروه، ومنها محبوب، وأرزاق الجنة كلها مؤتلفة، مصيبة للشهوة؛ وقد فسر الله ذلك في آخر الآية، فقال سبحانه: {وأتوا به متشابها}، فقد قال بعض الناس: متشابها في الألوان. وذلك خطأ من المقال، وإنما - رحمك الله - معنى: {وأتوا به متشابها}: في الإرادة والشهوة والمحبة؛ لأن الأرزاق في الدنيا لا تشتبه عند صاحبها، ولا بد أن يرى فيها ما يغمه، وما يكرهه ولا يشتهيه، وأرزاق الآخرة ليس فيها تعكظ، ولا أمر لغير شهوة، ولا تكسر إرادة؛ فلذلك قال الله سبحانه: {متشابها}، يريد: متشابها في الموافقة والإرادة والإعجاب، وكلما رزقوا رزقا كان لهم معجبا، ولقلوبهم ماليا، وإذا رزقوا رزقا آخر من بعد الأول كان لقلوبهم ماليا، ولنفوسهم معجبا، كالإعجاب الأول، لا يختلف لهم فيه محبة، ولا يتضاد لديهم له شهوة؛ بل يكون ذلك في قلوبهم كمحل الآخر سواء، ولو كان في الجنة شيء من الأرزاق يرزقه العبد، يوافقه ويفرح به، ثم يرزق من بعده رزقا دونه - لكان الفرح يختلف، ولو اختلف لوقع الخوف والانكسار، ولفسد قوله ø: {ولا هم يحزنون}، وتلك دار السرور، ومحل الحبور، حيث لا خوف على أهلها ولا هم يحزنون؛ ولكن اشتبه فرحهم بكل ما رزقهم الله، فراح عنهم الغم والاكتئاب، وصاروا بعون الله إلى أكرم محل ومآب، فلا هم ينزل بهم، ولا شر في أرزاقهم يتعكظ عليهم؛ قد أمنوا النيران، وصاروا إلى الرضى والرضوان، تجري من تحتهم الأنهار، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، عطاء غير مجذوذ.