تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام}

صفحة 307 - الجزء 1

  وقلت: قد قال قوم: إن الله ø حين قال: {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} - فقد أبطل الفعل والعمل؟

  فقد أخطأوا في قولهم، وتأولوا غير ما نطق به كتاب ربهم، ولو كان ذلك لفسد الوعد والوعيد، وإذا فسد الوعد والوعيد جاز أيضا أن يفسد البعث والحشر؛ لأنه يقول سبحانه: {لا يخلف الله الميعاد}⁣[الزمر: ٢٠]، ويقول: {وما ربك بظلام للعبيد}⁣[فصلت: ٤٦].

  فإذا دخل أهل الجنة النار ذهب الوعد، ووقع الظلم، وإن جاز أن يدخل أهل الجنة النار جاز أن يدخل أهل النار الجنة، وإن جاز ذهب الوعد والوعيد، وبطل الأمر والنهي، فإذا بطل ذلك فسد إرسال الأنبياء، وكان عبثا واستهزاء، والله سبحانه بريء من ذلك، متعال عنه؛ بل وعده الحق، وقوله الصدق، لا يخلف الميعاد، ولا يظلم العباد، ولا يدخل النار أهل طاعته، ولا يوصل الجنة أبدا من مات على معصيته، عز سلطانه، وعظم برهانه، وجل عن كل شأن شأنه.

  فأما ما زعم أهل الحديث، واحتجوا به من قوله: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}⁣[الأنبياء: ٢٣]، فقالوا: هو في تعذيب المؤمنين إن شاء، وإدخال الكافرين الجنة إذا شاء - فبئس ما نطقوا؛ إذ عن الحق عدلوا، وله في كل الأمور باينوا، وإنما أراد الله ø بقوله: {لا يسأل عما يفعل}: من الموت والحياة، والأمر والنهي، والخلق والتصوير، والتعذيب والتقدير؛ فهذا معنى الآية، لا ما ذهبوا إليه من فاحش قولهم، وعظيم فريتهم؛ فأين قوله سبحانه: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ٧ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}⁣[الزلزلة: ٧ - ٨]؛ بعدا - والله - ممن أدخل النار أن يؤتى خيرا، أو غبطة أو سرورا، أو يعرف لصالح عمله جزاء، أو ينال أبدا راحة أو نعما؛ كذب المفترون على الله في قولهم، وضلوا يقينا عن طريق رشدهم؛ بل هو تبارك وتعالى عدل في فعله، غير ظالم لخلقه، بريء مما نسبه إليه أهل الإفك من عباده.