قوله تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون 8 ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون 9}
  غمراته، وعندما وقع فيه من غصصه وسكراته، كما قال الله سبحانه: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}[ق: ١٩]، وقد قال في الموت وما بعده من البعث: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}[ق: ٢٢]، وكما قال سبحانه: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم}[الأنعام: ٩٣]، فالملائكة هم الذين يبسطون أيديهم ويقولون: {أخر جوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}[الأنعام: ٩٣].
  وقلت: أرأيت لو جعل الله الملك رجلا، ومن كانت الرسل تراه من الملائكة قبلا، أهم في تلك الحال والهيئة والصورة ملائكة أم رجال؟
  بل هم في تلك ملائكة، وإن انصرفت بهم الهيئة والأحوال؛ ألا ترى أن الذهب والنحاس، وإن لم يكونا هم الناس، فقد يصنع منهما صور وهيئات، ويحدث فيها تماثيل مختلفات، والذهب وإن اختلفت هيئاته ذهب على حاله، وكذلك النحاس وإن كثرت فيه الصور فهو نحاس على حاله، لم ينقل واحد منهما عن خليقته وذاته، ما نقل عنه من متقدم صورته وهيئاته، وإنما تبدو الملائكة إذا بدت بأمر الله وإرادته إلى البشر، بما جعل الله لها وأحدث فيها من الهيئات والصور، لا البشر بما لا يدركون ولا يرون، من الصور والهيئات إلا ما يبصرون، فجعل الله من الملائكة رسلا، وجعل من شاء منهم كما شاء إن شاء رجلا.
  وقال في ذلك [تبارك] وتعالى: {الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}[فاطر: ١]، فالتبديل للخلق والزيادة - ليست إبادة، وكذلك من مسخه الله تبارك وتعالى قردا أو خنزيرا - فإنما أحدث له عن هيئته وصورته تبديلا وتغييرا، فبدل هيئته وصورته، وأقر نفسه وذاته، ولو كان المسخ للممسوخ إبادة وافناء - لكان ذلك فطرة وإنشاء وابتداء، ولم يقل: تغيير ولا