قوله تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين 84 وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين 85 وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين 86}
  فكيف بغيرهم إذا ظلم وتعدى، وتقحم في المهالك والردى، وصد عن طريق الحق والهدى.
  وفي هذا إبطال لقول المزخرفين لأنفسهم الأباطيل، الذين مالت بهم الدنيا، واتبعوا الغي والهوى، ثم يزعمون بجهلهم، ورداوة تمييزهم: أنهم ممن يغفر له خطيئته، ويتجاوز عن سيئته، بغير توبة ولا رجعة، ولا خروج من معصية، ثم قالوا بجهلهم، وقلة بصائرهم: أنه لا يدخل النار من أمة محمد صلى الله عليه وآله أحد، وإن ظلم وتعدى، وأفسد وعصى؛ كأن لم يسمعوا ما ذكر الله ø في أول القصص، إذ ذكر الأنبياء $، حين يقول سبحانه: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}، فإذا كانت الأنبياء في قدرها، وعظيم محلها، لو كان منهم بعض ما قد كان من هؤلاء الظلمة - وحاش لأنبياء الله سبحانه من الدخول في معصيته، أو مخالفة شيء من أمره - لحبطت أعمالهم، فكيف بغيرهم من أهل الجهل والعمى، التابعين للغي والردى؛ إن هذا لهو العدل من الله ø في خلقه، وعين الإنصاف لبريته؛ إذ ألحق كلا بذنبه، وجازاه على فعله، وأخذه بعمله؛ ألا تسمع كيف يقول ø: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا}[النساء: ١٢٣]، يقول: يكافأ عليه، ويعاقب فيه؛ فكان هذا إكذابا لقولهم، وإبطالا لمحال ظنهم؛ فأوضح سبحانه لهم الحق الذي لا شك يدخله، ولا فساد يلحقه: أنه يجزي كلا بعمله، ويكافيه على فعله؛ {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ٣١}[النجم]؛ فسبحان العدل في حكمه، المنصف لخلقه، البريء من ظلم عباده.