تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون 109}

صفحة 414 - الجزء 1

  فيما هم فيه من ضلالهم يعمهون، والتضليل من الله لهم فإنما هو بعملهم؛ وسواء في المعنى أضلهم، وضللهم، كما سواء: أكفرهم، وكفرهم؛ ألا ترى: أن من أضللت فقد ضللته، ومن أكفرت فقد كفرته.

  وقال في كتاب البساط للإمام الناصر الأطروش # بعد ذكره الآية:

  تأويل ذلك: أنهم لما عصوا بارئهم ومولاهم، فيما هداهم له ودلهم عليه - تركهم من يديه، وللعرب إذا دعا بعضهم على بعض قال: «تركك الله من يديه»، معنى ذلك: من نعمته في الدنيا والآخرة، فإذا تركهم من لطائفه وتوفيقه، وخلاهم في ضلالهم يعمهون، كالأعمى الذي يقلب طرفه، فلا يبصر ولا يدري كيف يتوجه، فيصير قلبه مضطربا متقلبا، وطرفه كذلك، ويكون كالحيران، فجاز أن يقال: إن ذلك عقوبة من الله له، وينسب الى أنه الفاعل ذلك بهم؛ كما قال: جل ذكره: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}.

  وقد قيل: إن معنى قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} في النار {كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم} في الدنيا {في طغيانهم يعمهون}.

  وكلا التأويلين حسن جميل، والحمد لله وحده.

  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي #:

  إن معنى قوله سبحانه: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} هو: تركه لهم من توفيقه وتسديده، وعونه ولطفه وتأييده؛ لما خرجوا من طاعته، وارتكبوا بطغيانهم من معصيته، فولى بعضهم بعضا، ولم يقم لهم سبحانه أمرا، كما قال سبحانه: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون}⁣[الأنعام: ١٢٩]، فلم يبرأ منهم سبحانه، ويكلهم إلى أنفسهم جل وعظم شأنه: إلا من بعد أن تولوا، وكفروا وتعدوا، فاستوجبوا منه الخذلان، بما تمادوا فيه من الطغيان، كما يستوجب الرشد والتوفيق بالطاعة منه المؤمنون، واستأهل بالاهتداء منه والزيادة في الهدى المهتدون، كما قال أحكم الحاكمين، وأصدق