قوله تعالى: {رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين 143}
  مركبك، ولأهلكتك، ولما قدرت على النظر إليها؛ لعجزك، وضعف مركبك؛ {ولكن انظر إلى} هذا {الجبل}، الذي هو أعظم منك خلقا، وأكبر منك جسما، {فإن استقر مكانه} إذا أريته بعض ما سألتني أن أريكه - {فسوف تراني}، يقول: فسوف ترى ما سألت من عظيم الآية، ولن تقدر على ذلك أبدا، ولا تقوم له أصلا، {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}، معنى {تجلى ربه}، أي: أظهر آيته، وأبان قدرته - {جعله دكا وخر موسى صعقا}؛ يقول: مغشيا ميتا؛ لما رأى من الهول العظيم، الذي لا يقدر على رؤيته؛ لعجزه وضعفه، وإن كان الذي أظهره الله وأبانه - من لطيف آياته، فجاز أن يقول: {تجلى ربه}؛ لما كان ذلك من فعله وتدبيره، وأمره وإرادته، وهو كقوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام}[البقرة: ٢١٠]، يقول: تأتيهم الآيات، وما يريد أن يحل بهم من العذاب والنقم والآفات. وقوله: {وجوه يومئذ ناضرة ٢٢ إلى ربها ناظرة ٢٣}[القيامة]، فمعنى قوله: {ناضرة} يقول: نضرة مشرقة حسنة، وهذا معروف في اللغة والبيان؛ تقول العرب للرجل إذا أرادت له خيرا: «نضر الله وجهك»، وقوله: {إلى ربها ناظرة}، أي: ناظرة لثوابه، وما يأتيهم من خيره وفوائده، ومن ذلك ما تقول العرب: «قد نظر الله إلينا، وقد نظر الله إلى بني فلان» إذا أصابهم الخصب بعد الجدب، والرخاء بعد الشدة. وإنما أراد بذلك: أن الله قد رحمهم، وأتاهم بالنعمة، {فلما أفاق} موسى صلى الله عليه، {قال سبحانك تبت إليك وأنا اول المؤمنين}[الأعراف: ١٤٣]، يقول: لو ابتليتني وأريتني وأظهرت لي من بعض ما سألتك، مما أهلكت به الجبال الراسية - لما قام لها جسمي، ولأهلكتني بقليلها، ولما احتمل ذلك لطيف خلقي، وضعف مركبي؛ آنظر إلى عظيم ما ذهبت به الجبال الراسية؟! فلك الحمد على ما صرفت عني من ذلك؛ رحمة منك بي، وتفضلا علي، وزيادة وإحسانا إلي.
  فهذا معنى قوله: {أنظر إليك}، لا ما ذهب إليه من جهل، وزعم أن الله