قوله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
  وإنكارا لمقامه معهم، وبين أظهرهم، مع ما صاروا إليه من معصية الله في أمرهم، وهارون صلى الله عليه مباين لهم، فيما هم فيه من عصيانهم وضلالهم، وما ارتكبوا فيما بينهم وبين الله من سييء أفعالهم، يأمرهم دائما بالهدى، وينهاهم عما هم عليه من الضلالة والردى، يناديهم في إنكاره، وتقبيحه وإكباره، بصوت منه صيت رفيع، يسمعه منهم كل سميع؛ فتمسك صلى الله عليه في نفسه ومن أطاعه من آله، وغيرهم من قومه - بعصم الحق والرشد والهدى، بريء مما هم فيه من الضلالة والردى؛ يقول صلى الله عليه: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري}[طه: ٩٠]، فما منعه ذلك كله من سخط موسى عليه، ولا من وثوبه صلى الله عليه إليه، يجره بلحيته ورأسه، وهارون في كرب أنفاسه، يعتذر في غمة كربه، وفيما نزل منه به؛ لما يراه هارون صلى الله عليه له عذرا، وعدوه من عصاة بني إسرائيل يرى من فعل موسى به ما يرى، وهارون يعتذر إليه، صلى الله عليه، فما قبل موسى ذلك منه؛ ولكنه نبهه لما غفل عنه، فقال صلى الله عليهما: {يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري}[طه: ٩٣]، قوله: {أفعصيت أمري} يدل على أن قد كان أمره أن لا يقيم - صلى الله عليهما - مع من شآق الله وكفره، وقوله: {ما منعك ألا تتبعني} إذ عصوا؛ ما منعك أن لا تتركهم وتلحقني، {قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ٩٤}[طه: ٩٤].
  فهل رأيتم - هديتم - من قول أشبه بأن يكون عذرا من قول هارون واعتذاره، مع ما كان من أمره ونهيه وإنكاره، فلما علم موسى صلى الله عليه ذلك كله، وأن هارون - صلى الله عليهما - أتاه وفعله، وأن جميع ما فعل من ذلك - وإن كان إحسانا، وكان لله تبارك وتعالى رضوانا - غير مقبول عند الله منه، وأن مقامه مع الظالمين ذنب يحتاج إلى الله في العفو عنه - قال موسى بعد اعتذار هارون - صلى الله عليهما - إليه، واستعطافه بذكر أمه له عليه، إذ يقول: {ابن أم إن