قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172}
  فنسلا، وعقبا بعد عقب.
  وأما قوله {وأشهدهم على أنفسهم} فهو: بما جعل وركب من العقول لهم، فكانت تشهد لمن أنصفها، بأمر الصنع فيها لخالقها، وتدل بذلك على الله صاحبها؛ فهذا معنى قوله سبحانه: {وأشهدهم على أنفسهم}، وقد يكون الإشهاد يخرج على معنى: الشهادة منهم على أنفسهم، والإقرار بما أخذ سبحانه من العهود عليهم، وكل ذلك حسن معناه، جائز لمن احتذاه؛ فافهم - هديت - ما عنه سألت؛ نسأل الله لنا ولكم التوفيق والتسديد.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام عبد لله بن حمزة #، بعد ذكره لهذه الآية، مع الآية التي بعدها، وهي: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ١٧٣}[الأعراف: ١٧٣]:
  الجواب وبالله التوفيق: أن الأمر في كتاب الله عظيم، والتعرض به شديد، ولولا أن الله تعالى جعلنا ورثته، وفهمنا غرائبه - ما تعرضنا به؛ إذ هو بحر لا تقطعه الألواح إلا بريح التوفيق من الله سبحانه والهداية؛ نسأل الله العون.
  قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}[الأعراف: ١٧٢]، الأخذ يقتضي الترك، والرب: المالك، وهو سبحانه مالكنا من كل وجه، بالقدرة والإحسان والاستحقاق؛ فآدم أبو البشر، وفي تسميته وجهان، أحدهما: خلقه من أديم الأرض، والثاني: لونه وتحسينه له إلى خلقه بالحلاوة. والظهور: معروفة. والذرية: أولاد الرجل، ذكورا كانوا أو إناثا، وأعقابهم ما تناسلوا، وأصل الذرية: الذر، وهو: تفريق الحب وغيره بعد اجتماعه، ومنه: سميت الرياح ذاريات؛ لأنها تذر الرمال والتراب وغيرها، تفرقها بعد اجتماعها، وهكذا ذرية الرجل، كأنها مجتمعة في صلبه، ففرقها في الأرحام أو في الرحم شيئا بعد شيء.