تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين 175 ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون 176}

صفحة 466 - الجزء 1

  أشير عليكم أن تهادنوه، وتعدوه أن تطيعوه، وتسلموا له، فإذا فعلتم ذلك أرسلتم النساء البغايا إلى عسكره، متزينات متعطرات، كأنهن يبايعن، ويشارين في عسكره، فإن عسكره يصيبون المعاصي، ويفسد إيمانهم بمواقعتهم المعاصي، فيرفع عنهم النصر، ويستحقون بالمعصية الخذلان، ولا تثبت أقدامهم عند اللقاء، فيهتزمون عنكم». ففعلوا ما أمرهم به، حتى نفذت حيلته ومكره فيهم، ونسي ما وعظ به، وأدركه الحسد والبغي الراجع عليه وباله.

  ثم إن موسى # قاتل ثلاثة أيام بعد انقضاء الهدنه، ومباينتهم له، وبدوهم بالحرب لما نفذت مكيدتهم، فكل ما لقي أصحاب موسى العدو لم تثبت أقدامهم، وانهد جيشهم؛ فيصيح موسى: «عطاف!»، فلا يعطف أحد. فأقام ثلاثا على هذا الحال، ثم قال: «أنا نبي الله وكليمه؛ لقد عصيتم»، وهبط إليه الوحي: «أن ائت خباء من أخبية أصحابك، فانظر ما فيه». فلما أتى الخباء: إذا فاسق على فاسقة، فطعنهما بحربته، فشكهما جميعا وهما على قبيح فعلهما، ورفعهما، وصاح، وكان صيتا شديد القلب، شديد القوة: «يا بني إسرائيل، هذا الفعل الذي يقلبكم على أعقابكم عند القتال»، وشالهما حتى نظر العسكر إليهما، وهو يهزهما، وهو حديد، عجل الكلام، قد أزبد على بني إسرائيل أسفا وغيظا، وغيرة على من عصى الله، وشدة في ذات الله ø، فلما رأت ذلك بنوا إسرائيل اجتمعوا إليه، وقالوا: «نجدد البيعة، والعهد لله، ونصح التوبة». فاصطفوا للصلاة والدعاء، وبسط نبي الله كساه، وكان لهم دليلا على قبول توبتهم: أن تجتمع فيه ألوان شتى، فيعلمون أن قد قبلت توبتهم.

  في سحر يوم الجمعة عند انفلاق الفجر أمر موسى بالبوق فنفخ، وهو أول من أحدث أبواق الصفر؛ وذلك أن عساكره شكوا إليه أنهم لا يشعرون بحركته، فألهمه الله لأبواق الصفر، وقيل: والجباجب أيضا⁣(⁣١)، ثم سار موسى


(١) الجباجب: هي الطبلُ. (القاموس المحيط: مادة «جبجب»).