قوله تعالى: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم 17}
  وأما ما سأل عنه من قول الله: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}، فتوهم: أنهم كانوا لا يسمعون؛ لصمم جعله الله سبحانه في آذانهم، أو لسبب جعله حاجزا بين الهدى وبينهم.
  وليس ذلك - والحمد لله - كذلك، ولو كان الله فعل ذلك بهم لما عاب صممهم، ولكان أعذر لهم من أنفسهم، ولما بعث إليهم المرسلين، ولا أمرهم باتباع المهتدين، وإنما أراد الله سبحانه بذلك حض المؤمنين، على الطاعة لرب العالمين، والاستماع لسيد المرسلين، فقال للمؤمنين: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}، يقول: لا تكونوا كالذين قالوا أطعنا بألسنتهم، وهم كاذبون في قلوبهم؛ بل قلوبهم منكرة لذلك، جاحدة له، يدارون بالقول؛ خوفا من المؤمنين والرسول، ويكفرون من ورائه بكل الدين والتنزيل، وهم الذين قال فيهم الرحمن الجليل: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن}[البقرة: ١٤]، وقال: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}[الفتح: ١١]، وهم الذين قال الله فيهم، من منافقي قريش والأعراب وغيرهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}[المنافقون: ١]، فنهى المؤمنين عن مشابهة المنافقين، ولم يكن قوله ما قال إخبارا منه بتركيب ما ذمه منهم فيهم، ولو كان الله سبحانه فعله فيهم - لما نهى المؤمنين عن ذلك؛ إذ هو فعله، لا فعلهم؛ فكيف ينهاهم عن أن يفعلوا فعله؟! ولو جاز: أن ينهاهم عن فعل ما فعله فيهم - لكانوا مقتدرين على أن يفعلوا كفعله، ولو كانوا مقتدرين على أن يفعلوا كفعله - إذا لخلقوا كخلقه، ولو خلقوا كخلقه - لامتنعوا بلا شك مما يكرهون من أفعاله، من موتهم وابتلائه إياهم بما يبتليهم به، ولتزيدوا فيما آتاهم مما يحبونه؛ فتعالى من هو على خلاف ذلك، والمتقدس عن أن يكون كذلك.