قوله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين 99}
  ولا ما هو أعظم منه؛ إذ كان ذلك معجزا وغالبا لمحمد ÷، لا يقدر على ذلك منهم، ولا يمكنه فيهم؛ فأخبر الله سبحانه: أن ما لا تقدر عليه لو أراده هو من جهة الجبر والإكراه - لأمكنه؛ ولكنه لم يرده إلا من جهة التخيير منهم، والاختيار والرغبة لما استوجبوا بذلك الفعل بثوابه وعقابه؛ فافهم ذلك وميزه إن شاء الله.
  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام عبد لله بن حمزة #:
  وأما قوله: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض}، وما شاكله من الآيات - فذلك مستقيم، ومعناه: أنه لو شاء إكراههم على الإيمان لآمنوا كرها لا طوعا، وكان التكليف يرتفع، وتنتقض الحكمة، ويزول الغرض بالتخيير والتمكين، ولا يفرق بين المسيء والمحسن؛ وقد قال تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب}[الأنفال: ٣٧]، وقال: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء}[البقرة: ٢١٤]، وقال: {الم ١ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ٢}[العنكبوت: ١، ٢]؛ فلولا الإحسان والتخيير لم يتفاضل الناس في المنازل، ولو عجل تعالى عقوبة العاصين لما عصي، ولو عجل ثواب المطيعين لأطاع الجميع؛ رغبة في العاجل؛ لكنه جعل الجميع غيبا آجلا؛ ليعلم الذين صدقوا، ويعلم الكاذبين، والمراد: ظهور المعلوم، وليقع الاستحقاق، وإلا فهو تعالى علام الغيوب، يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن كيف كان يكون، وما كان لو لم يكن كيف كان يكون؛ ولكنه ليس يصلح في الحكمة: أن يعاقب بعلمه، ولا يثيب بعلمه قبل وقوع الفعل من العبد؛ لأنه لا يستحق التعظيم والثواب، والاستحقاق والعقاب، إلا على فعله؛ وعلمه تعالى غير فعل عبده.