قوله تعالى: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون 22}
  لكل من يعقل اللسان: أنه إنما أراد بقوله صلى الله عليه الخبر عما لله من الاقتدار، لا ما يذهب إليه من لم يهتد للرشد من أهل الإجبار؛ فأخبر أنه غير نافع لهم نصحه وإن أراد نصيحتهم، إن كان الله يريد هلكتهم؛ فصدق صلى الله عليه؛ لأنه إن أراد شيئا، و أراد الله أن يفعل سواه - ليكونن ما أراد الله صنعا وخلقا وشاءه، ولا يكون من ذلك وفيه - ما أراد نوح صلى الله عليه؛ وكيف يريد الله إضلالهم وإغواءهم، وهو يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما إلى هداهم؟! ما يزعم هذا أو يقول به إلا من جهل أمر ربه، في الرأفة والرحمة، والعلم والحكمة؛ وكيف تدعو رسله العباد، إلى خلاف ما شاء وأراد؟! الله أحكم أمرا، وأجل قدرا، من أن يكون في ذلك كما قال من خاب وافترى.
  وكذلك ما قال شعيب ~: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله}[الأعراف: ٨٩]، فقال: إلا أن يشاء، ولم يقل: أن قد شاء؛ بل وكد بقوله فيه ومعناه: أن لن يريده الله أبدا ولن يشاه؛ ولكنه أخبر عن قدرته، على كل ما شاء في بريته.
  ومثل هذا من التنزيل سواء: قوله سبحانه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[النساء: ١١٦]، ولن يشاء أن يغفر لمن وعده من أهل الكبائر بالنار؛ لما فيه من إخلاف الوعد، وإكذاب الأخبار، التي منها {ولن يخلف الله وعده}[الحج: ٤٧]، و {ذلك يوم الوعيد}[ق: ٢٠]، ومنها قوله: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}[ق: ٢٩]، وقوله جل ثناؤه لرسوله ÷ في منزل الكتاب: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب}[غافر: ١٧].
  ومثل ذلك: قول عيسى ~: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}[المائدة: ١١٨]، وقول إبراهيم صلى الله عليه: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم}[إبراهيم: ٣٦]، وكل ذلك