قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119}
  وسألت عن: قول الله سبحانه: {ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}؟
  وقد قيل في ذلك: إن معناها: للرحمة خلقهم. والذي أراه أنا في ذلك، ويتوجه لي من القول فيه: أنه سبحانه أراد به: خلق المؤمنين لمخالفة الكافرين؛ لأن مخالفة الكافرين في كفرهم أعظم الطاعة لرب العالمين، وقد قال الله سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}؛ فأخبر: أنه لم يخلق الخلق إلا لعبادته، فمن خالف عبادته وطاعته - فمخالفته في ذلك من فرض الله على من يخالفه، ولا مخالفة لأعداء الله ولا مفارقة - أكبر من ضرب وجوههم بالسيف، وسفك دمائهم، ومجاهدتهم على مخالفة الحق؛ وهذا فهو أكبر فرائض الله على خلقه، وأعظم ما افترض الله على عباده؛ ولهذا خلق الخلق؛ لأنه أفضل عبادته؛ فإذا قد صح فرض المخالفة للفاسقين على المؤمنين والجهاد - فقد صح أن لتلك المخالفة التي افترضها عليهم خلقهم، وإليها دعاهم، وبها في أعدائه أمرهم.
  وقال في كتاب حقائق المعرفة للإمام أحمد بن سليمان #، في معنى قوله تعالى: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}:
  يريد: أنه خلقهم للرحمة، ولئلا يخالف أهل الحق أهل الباطل.