قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات}
  عليها؛ فهذا: تبديلها وتغييرها. وكذلك تبديل السماوات فهو: رد الله لها إلى ما كانت عليه في الابتداء، ثم يردها على ما هي عليه اليوم من الاستواء، من بعد أن تصير كالمهل؛ والمهل فهو: شيء يكون كالدهن، يخرج من صفو القطران؛ فذكر الرحمن: أنها تكون في يوم الدين كالمهل السائل، بعد التجسم الهائل، وهو قوله: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}[الدخان: ١٠]، يريد: أنها تعود إلى ما كانت عليه من الدخان، ثم ترد السماوات مطبقات، كما خلقت من الدخان أولا، سماوات مقدرات مجعولات؛ تبيينا منه سبحانه لقدرته، وإظهارا لنفاذ أمره، فيما افتطره من فطرته؛ فهذا معنى: ما ذكره الله من تبديل الأرض والسماء؛ لا أنه يذهب بهما، ويخلق سواهما من غيرهما؛ وإنما تبديله لهما وتغييره: نقلهما من حال إلى حال، والأصل واحد مستقيم، غير فان ولا معدوم؛ مثل ذلك مثل خلخال من ذهب أو فضة كسر، فصير خلخالا أوسع منه قدرا، فكان قد بدلت خلقته، وغيرت صيغته، ونقلت حالته من حال إلى حال، ومن مثال إلى مثال؛ فبدل تصويره، وأصل فضته ثابت لم يبدل ولم يغير، وإنما غير منها خلقها وتقديرها، وصورتها وتمثيلها، والأصل ثابت قائم، موجود من العدم سالم.
  وكذلك تبديل ما يبدل من الحديد: فيكون أولا سيفا، ثم يرد خنجرا، ثم يجعل الخنجر سكينا، ثم تنقل السكين، فتجعل أوتادا وسككا، وهو: ينقل من حال إلى حال، وهو الحديد الأول، لم يتغير ولم يبدل، وإنما التغيير منه: تصاويره وتقاديره، ونقل أحواله ومقاديره؛ فهو الحديد الثابت، يجعل مرة سيفا كما ذكرنا، ويقلب ثانية صنفا من الصنوف التي ذكرنا، فهو وإن تغيرت أحواله، واختلفت مجعولاته - فهي الحديدة المعروفة، الأولة الأصلية المفهومة.
  وكذلك ما ذكر رب العالمين، في تبديل السموات والأرضين - فهو: نقله لهما من حالة في التصوير إلى حالة، ومن صفة في التقدير إلى صفة، وهن في أصلهن اللواتي كن، لم يبدل أصلهن ولم يحل، ولم ينقل عما كان ولم يزل؛ فافهم ما أجبناك