قوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا 64}
  على الوعيد، وقد تقول العرب للرجل: «اذهب، اقتل فلانا، واضربه بالسيف»، على جهد الوعيد، وهم لا يحبون قتله ولا ضربه، ولا يريدون ذلك من الذي أمروه به، كقول أمير المؤمنين ~ لطلحة والزبير يوم عاتباه، ثم أدبرا عنه: «اذهبا فأخرجاها»، يعني: عائشة، وهو لا يريد: أن يخرجاها من منزل رسول الله ÷، ولا أن يخرجاها تحاربه، وهذا في اللغة كثير معروف.
  وأما ما سألت عنه من مشاركته لهم في الأموال والأولاد: فإن ذلك ليس كشركة الآدميين، إنما ذلك كنحو قول السحرة لفرعون: {اقض ما أنت قاض}، أي: اصنع ما أنت صانع، كل ذلك على الوعيد، وأما شركته في الأموال فهو: أن تؤخذ بغير حقها، وأن يطاع الشيطان فيها، فإذا فعلوا ذلك فقد جعلوه شريكا في أموالهم، وأما الأولاد: فإذا نكحوا الحرام، وولد لهم من النكاح بمال الحرام - فقد أشركوا الشيطان في ذلك بطاعتهم؛ فصارت طاعته سببا للشركة في أولادهم.
  وقال في كتاب الرد على مسائل المجبرة للإمام الناصر بن الهادي #:
  وأما ما ذكر الله ø في قوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ٦٤}، فقد قالت العلماء فيه بوجهين:
  أحدهما: أن هذا على طريق التهدد والتخويف، مثلما تقول العرب للرجل: «اذهب اقتل فلانا»، على طريق التهدد له، لا أنهم أرادوا قتله، ومثل قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~، حيث قال لطلحة والزبير: «اذهبا أخرجاها»، يعني: عائشة، يريد بذلك: التقريع لهما، وهو لا يريد خروجهما بها تحاربه، ولا أن تعصي الله ø في خروجها من منزل رسول الله ÷، الذي أمرها ø: أن تقر فيه، وإنما هذا على حد التوقيف والتقريع، ومثله كثير في اللغة.