تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم 143}

صفحة 69 - الجزء 1

  بالحق، ولزم الصدق، وترك عنه الغلو والإفراط في ما لم يوجبه الله سبحانه من حكمه، ولم يتبع المتشابه، ولم يخرج بنفسه إلى الزلل والخطل، ويتبع الحق والهدى، والطريق المثلى - فهو وسط، مستوجب للاسم الذي سماه الله به، «يتبعه - كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #(⁣١) - التالي»، والتالي فهو: الذي يكون بعده يقتدي به في فعله، «ويرجع إليهم الغالي»، يقول: يقتدي بهم ويرجع إلى قولهم، ومن خالف القصد في أمره، واستفزته الأهواء، ومالت به الآراء - ضل في قصده، وتحير في دينه، وفي ذلك ما يروى عن محمد بن علي بن الحسين - رحمة الله عليه -: أن رجلا سأله، فقال: يا بن رسول الله، دلني على أمر إذا عملت به نجوت به عند الله، وإذا سئلت غدا قلت: أنت هديتنيه، فقال له: «اعمل بما اجتمع عليه المختلفون»؛ فهذا دليل على أمره له بالقصد، وترك الغلو والتحيز، وقد بين ذلك أمير المؤمنين # في أول حديثه، حيث يقول: «يهلك في رجلان: محب مفرط، أو مبغض مفتري، وخير أصحابي النمط الأوسط».

  وفي كتاب حقائق المعرفة بعد ذكره للآية قال:

  ومعنى قوله: {وسطا} أي خيارا، قال الشاعر:

  هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

  وقال في كتاب ينابيع النصيحة في سياق كلام ما لفظه:

  وكذلك قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}، معناه: ليتميز المتبع من المنقلب؛ لأنه إذا اتبع هذا وانقلب هذا علمه الله كآئنا، وإن كان قبل ذلك عالما بما سيكون من ذلك، لا أنه لا يعلم كون هذا متبعا، وهذا منقلبا، إلا بعد وجود الاتباع والانقلاب منهما.


(١) هو قوله: «خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي».