تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا}

صفحة 144 - الجزء 2

  وهو: أن يكون معنى قوله: {أغفلنا قلبه عن ذكرنا}، أي: تركناه من ذكرنا، والذكر فهو: التذكرة من الله والتنبيه والتسديد، والتعريف والهداية إلى الخير والتوفيق، فيقول سبحانه: تركنا قلبه من تذكيرنا، وعوننا وهدايتنا، بما أصر عليه من الإشراك بنا، والاجتراء علينا، تقول العرب: «يا فلان أغفلت فلانا»، ويقول القائل: «لا تغفلني»، أي: تتركني، وتقول العرب: «قم مني»، أي: قم عني، فتخلف بعض حروف الصفات ببعض، وتقيم بعضها مقام بعض؛ قال الشاعر:

  شربن بماء البحر ثم ترفعت ... لدى لجج خضر لهن نئيج

  فقال: «لدى لجج»، وإنما يريد: على لجج، فذكر السحاب ونشطها، وشربها من البحار، واستقلالها بما فيها من الأمطار، وقال آخر:

  أغفلت تغلب من معروفك الكاسي ... فخلت قلبك منهم مغضبا قاسي

  فقال: أغفلت تغلب من معروفك، أي: تركتها من عطائك ونوالك، ومنتك وإفضالك، ثم قال: فخلت قلبك منهم مغضبا قاسي، فقال: منهم، وإنما يريد: عليهم مغضبا، فأقام حرف الصفة وهو «من» مقام أختها، وهي: «على»، فأقام «منهم» مقام «عليهم»؛ فهذا معنى الآية إن شاء الله ومخرجها، لا ما توهم الجهال، على ذي المعالي والجلال، من الجبر لعباده والإضلال، والظلم والتجبر بالإغفال.

  وقال # في موضع آخر:

  قوله سبحانه: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا}، فليس الله سبحانه يغفل قلب أحد عن ذكره، ولا يصرفه عن معرفته؛ ولكن لما أن كان منه سبحانه ترك المعاجلة للمسيء على فعله، والتأخير له في أجله - جاز أن يقول: {أغفلنا}؛ إذ كانت الغفلة هي الإعراض، والترك للحق والتوبة والإنابة، فجاز من قبل إملاء الله وتأخيره للمسيء المذنب - أن يقول: أغفلنا، على مجاز الكلام؛ ومثل هذا كثير في القرآن، يعرفه ذو الفهم والبيان.