قوله تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا 83}
  أصحاب السعير}[فاطر: ٦]، فلما أن طاف بالمؤمنين، ودعاهم إلى ما أجابه إليه - من الكفر بالله - الفاسقون - ذكروا الله؛ تذكروا أمره ونهيه، وما أمرهم به من طاعته، وحذرهم من معصيته، فأبصروا الحق واجتنبوا اللعين وعصوه، وفيما دعاهم إليه من العصيان خالفوه؛ ألا تسمع كيف أثنى عليهم بذلك ربهم، وذكر عنهم سيدهم وخالقهم، حين يقول: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}[الحجر: ٤٢]، يقول سبحانه: إن عبادي المؤمنين، وأوليائي المتقين - لا يجعلون لك عليهم سلطانا، ولا يطيعونك فيما تأمرهم به من العصيان؛ بل يحترسون منك بطاعة الرحمن، وتلاوة القرآن، ويخالفونك صاغرا في كل شأن، فلا يجري ولا يجوز لك عليهم سلطان؛ وليس تخليته للشياطين، إلا كإذنه للساحرين، حين يقول: {وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله}، فإذنه في ذلك: تخليته، وترك الصرف لهم جبرا عن معصيته، والإدخال لهم جبرا في طاعته.
  وقال في كتاب مجموع تفسير بعض الأئمة، من الآيات التي سئل عنها الإمام الهادي #:
  وسألت عن: قول الله سبحانه: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما تعد لهم عدا}، فقلت: ما الحجة في ذلك عليهم، ولم يعذبهم؛ إذ كان هو المرسل لهم، فمعنى الإرسال من أرحم الراحمين، لمن ذكر أنه أرسله من الشياطين هو: التخلية من الشياطين، والكفرة الفاسقين، وترك الحول بينهم وبينهم؛ لأن الله لا يوقع الخذلان، بأحد ممن عصاه من الإنسان، إلا من بعد تركه للطاعة والتقوى والإيمان، ومن رفع عنه التوفيق والإحسان - وقع عليه ولزمه الخذلان، فأزته الشياطين، ومن كان الشيطان له قرينا فساء قرينا، والأز من الشيطان فهو: الإغواء والوسوسة للكافرين، والتدلية [من: «دلاه»: أوقعه بغروره فيما يريد، وهو من إدلاء الدلو] لهم فيما يكون به عذابهم يوم الدين؛ فهذا معنى إرسال الله للشياطين، لا ما يتوهم عليه