قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين 56}
  معنى ذلك: أن الله سبحانه يخبر نبيه أنه لن يستطيع أن يجبر قلب أحد على الهدى، حتى يجعل باطن أمره كظاهره، ثم أخبر سبحانه: أنه يقدر على ذلك، غير أنه لا يفعله بأحد جبرا، وإن كان عليه قادرا.
  وقال في كتاب الرد على مسائل الإباضية للإمام الناصر بن الهادي #:
  وسألت عن: قول الله ø: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}؟
  قال أحمد بن يحيى ~: إن من زعم أن الله تبارك وتعالى دعا العباد إلى أمر قد حال بينهم وبينه، ونهاهم عما قضاه، وقدره عليهم أن يعملوا به، وأراد بذلك المجبر السائل جهله، وأن يزين لنفسه خطأه، ويكابر الحق الذي جاء من عند الله ø صراحا؛ بدعواه في قول الله جل ثناؤه: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}، كأنه يرى عند نفسه: أن الله تقدس وتعالى قال لنبيه محمد ~: أن دعاك للعباد، وما أرسلناك من البرهان والنور والهدى والبينات، والآيات الواضحات - لا ينفع الناس شيئا؛ ولكن أنا أقسر عليه من شئت منهم. وليس ذلك كما تأولوه، ولا كذلك فعل الله ø، وإنما كان ذلك: أن رجلا كان من رسول الله ÷ بمكان ومنزلة، فحرص عليه أن يسلم، فأخبر الله سبحانه نبيه ~ وعلى آله: أن حرصك لا يغني - إذن أبدا - العبد: أن يسلم، فإن أحدا لا يستطيع أن يغلب أحدا على إرادته وهواه، إلا الله القوي القادر، الذي يملك تصريف القلوب في الهدى، وبيده النواصي والأقدام، وقال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}، أي: قسرا و جبرا، وكذلك قوله: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}؛ وليس من صفته جل ثناؤه: أن يجبر أحدا من خلقه على طاعة ولا معصية، حتى يختار كل منهم ما أراد من ذلك لنفسه، وبذلك أنزل