قوله تعالى: {لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث}
  فأما قوله: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}، فإنما هذا مثل مثله الله للخلق، يريد سبحانه: إن كان يجوز أن تكونوا أنتم ومماليككم في أموالكم وفيما رزقتموه سواء أمركم وأمرهم، وإرادتكم وإرادتهم، حتى تخافوهم في أموالكم، فيما تنفقون وتقبضون وتبسطون، كما يخاف بعضكم بعضا في ماله - فقد يجوز أن تكونوا سواء شركاء لسيدكم في خلقه وعباده وملكه، وإن كان لا يجوز هذا أن يكون العبد والسيد سواء في مال سيده - فلن يكون أحد منكم لله شريكا في عباده، ولا أمره ولا ملكه.
  · قوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْث}[الروم: ٥٦]
  قال في كتاب حقائق المعرفة للإمام أحمد بن سليمان #:
  المراد به: لقد لبثتم في علم الله. وقد يمكن أن يحمل معنى الآية على هذا، ويمكن أن يكون المراد به: لقد لبثتم فيما وجدنا في كتاب الله الذي هو القرآن: أنكم لبثتم إلى يوم البعث.
  واعلم: أن للكتاب في كتاب الله أربعة معان:
  فكتاب وهو: العلم، وكتاب وهو: الكتاب المكتوب بالقلم - وقد ذكرنا ذلك -، وكتاب وهو: الفرض؛ قال الله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}[البقرة: ١٨٣]، وقال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم}[البقرة: ٢١٦]، يريد: فرض عليكم. وكتاب هو: الحكم؛ قال الله تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}[المجادلة: ٢١]، يريد: حكم الله. وقد يمكن: أن يحمل الكتاب على معنى خامس، وهو: أن يمكن أن يكون كتب الله بمعنى: جعل الله، وذلك قول الله تعالى: {أولئك كتب في