قوله تعالى: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم 5}
  والطير وألنا له الحديد}؟
  فقال: معنى: {منا فضلا} فهو: نبوئتنا التي آتيناه إياها ووحينا، وما جعلنا في الجبال والطير، من التأويب في الجبال، ومقاربة الطير له، وما ألنا له من الحديد، وما علمناه من عمل السابغات، وهديناه له من التقدير في السرد، حتى عمل جننا تقيه البأس، وتفل عنه حد بغاة الناس. ومعنى: {أوبي} فهو: ما جعل الله في الجبال من ذلك، وركبها عليه من التركيب، كانت كذلك، وهو: الصوت الذي يجيب المصوت من الجبال والاصداح: إذا كان الرجل بين جبلين نادى بشيء أو تكلم به - أوبت الجبال بالرد عليه بمثله. ويقال: إن هذا الذي في الجبال من التأويب - وهو الذي تسميه العرب أيضا: الصدى - شيء لم يكن قبل داود #، وأن الله جعله في ذلك الوقت في الجبال وقدره؛ لكرامة داود، ثم أبقاه إلى اليوم فيها؛ ليكون ذلك ذكرا لما أكرم الله به داود؛ والله أعلم بذلك وأحكم. ومعنى قوله: {والطير} فهو: رد على الأمر، ومعنى أمره الطير فهو: إلهامه إياها ما أراد من مقاربة داود، واحتواشها له، وكينونتها قربه؛ كل طير يصوت بصوته الذي جعله الله له، مع صوت داود صلي الله عليه، فكان داود يبكي، ويدعو الله ويناجيه ويناديه، والجبال فتأوب وترد بمثل صوته وكلامه عليه، والطير تصوت من حواليه، حتى بلغ صلى الله عليه إرادته من رضى ربه، وإخلاص التوبة الى خالقه، ورجوع كرامة الله إليه، وحلولها من الله تعالى لديه. {وألنا له الحديد}، فمعنى إلانة الحديد له فهي: خاصة كان الله خصه بها، فكان الحديد كما لين الشمع بلا نار، ولم يكن الحديد يلين لأحد قبله إلا بالنار، فلان له هو بلا نار؛ فهذا معنى: {وألنا له الحديد}. ثم هداه لعمل السابغات، والسابغات فهي: الدروع الطوال السابريات، {وقدر في السرد}، معناه: قدر في تأليف الحلق بعضه إلى بعض وتسويته، وتقدير ثقبه وسمره(١)، فكان صلى
(١) أي: وَسَمْرِهِ بِالمِسْمَارِ.