قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  الله سبحانه: أن يفهم خلقه وعباده، إذ أسمعهم في كتابه ذكر حسرتهم يوم القيامة لها مسميا، وإنما عنى الله بقوله: {يا حسرة} - والله أعلم - أي: حسرة هي في العظم لما بلغ أهلها من التلهف على ما فاتهم من تصديق الأنبياء $، واستهزائهم في دار الدنيا للشقوة، إذا رأوا في الآخرة صدق ما كانوا يخبرونهم من خبرها، وتحقق قولهم، فحينئذ يتحسرون نادمين، وتقع الحسرة التي أخبر الله عنها يومئذ عليهم، فيبقون محسورين، حسرة على العباد كما قال الله ثم، يا حسرة على العباد عليهم ثم يا حسرة حين عاينوا صدق وعيد الله في الآخرة، فندموا وتحسروا حين لا يقالون، ولا تقبل معذرتهم فيعتذرون؛ فأي حسرة أكبر، وأي ندامة أفظع للقلوب وأنكر، من حسرة من لا يقال عثرة، ولا تقبل منه معذرة، ومن هو خالد في أليم العذاب والعقوبة، ومن قد أيس من أن يقبل الله منه توبة، فيالها حسرة حازت الحسرات، ولكفى بقول الله: {يا حسرة على العباد} فيها بليغة من الصفات.
  ثم قال جل ثناؤه، وخزيت بمعصيته أعداؤه، وفاز بخشيته أولياؤه، وهو يخبر المنذرين من قوم النبي #، عمن أهلك بذنبه من القرون: {أنهم إليهم لا يرجعون}، فذكر سبحانه من هذه العبر بما لا ينكرونه، إذ كان من أهلك وأمات من الهالكين غير راجعين، ودلهم على أنهم مملوكون مربوبون؛ إذ كانوا مكرهين في الموت والهلاك دفعا، ولا يملكون لأنفسهم فيما يحبون من البقاء نفعا، خلقوا حين خلقوا وهم لا يشعرون ولا يعقلون، وأنشئوا بتربية الله لهم ورزقه وهم غافلون، وفهموا إذ عقلوا من المضار والمنافع ما كانوا يجهلون، وأنعم عليهم بالنعم التي لا يحصون، وكل هذا وما صرفوا فيه منه فهم به مصرفون، وعلى المنعم الصانع لهم بذلك مدلولون، وله معروفون، وبالرق والعبودية موسومون موقوفون، فمن صنع منهم وخلق فهو شهيد بلسانه أنه لنفسه غير صانع، ومن أميت فهو مقر أنه للموت عن نفسه غير دافع، وأنه ليس