تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب 34}

صفحة 438 - الجزء 2

  أراد بذلك فتنته، فدعا الريح فلم تجبه، ثم دعا الطير فلم تجبه، ثم دعا الجن فلم تجبه؛ لما ذهب عنه الخاتم، وإنما كان الخاتم سببا من الله لملكه، قد جعله الله فيه، وبه كان يطاع؛ فعلم سليمان أن العقوبة قد وقعت، ووثب العفريت الملعون على سريره عند ذلك، وهو ملكه، فكان يتكلم على شبه كلام سليمان #، وهو من وراء حجاب، لا يظهر ولا يرى له شخص، ودعا فلم يجبه إلا الإنس، ومضى سليمان باكيا نادما على فعله، وجعل يتبع الصيادين على سواحل البحر يخدمهم ويعينهم، وهم لا يعرفونه، ولا يعلمون أنه سليمان، فأقام على ذلك وقتا اختلفت فيه الرواة، فقال بعضهم: أقام أربعين يوما. وقال آخرون: بل مكث خمسين يوما. وقال قوم: سبعين يوما. وهذا أكثر ما قيل فيه؛ فجعل يتبعهم ويعمل معهم، ويعطونه في كل يوم حوتين، فيبيع أحدهما، فيشتري به خبزا، ويشوي الآخر فيأكله. فلما علم الله منه التوبة والرجوع، والإنابة والخضوع - أراد أن يرد عليه نعمته، فانصرف ذلك اليوم ومعه الحوتان اللذان عمل بهما يومه ذلك، فشق بطن أحدهما على ما كان يفعل، فإذا بالخاتم قد خرج من بطن الحوت، فعرفه عند ذلك، فأخذه وشكر الله، وحمده على ما أولاه. ثم دعا الريح فأجابته، وكان قد أبعد من بلده، فأمر الريح، فاحتملته من ساعته إلى موضعه، وهرب اللعين العفريت لما رآه. وقال بعض الرواة: إنه كان حبسه، ورد الله على نبيه ملكه، ورجع إليه ما كان الله قد أعطاه، فدعا الطير والريح والجن فأجابته، ودامت نعمته.

  قلت: فما الجسد الذي ألقي على كرسيه، هل كان جسما يظهر ويرى؟

  قال: لا، إنما كان الذي يظهر إليهم منه ما يسمعون من كلامه، وكان مستترا عنهم، فكانوا يظنون أنه سليمان. وإنما احتجب عنهم بسبب أمره الله به، أو فعل فعله من نفسه، فلو ظهر لهم لبان أمره عندهم؛ ولكن تمكن منهم بالتمويه عليهم، والمكر لهم.