قوله تعالى: {هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب 39}
  الذي حملك على أن تفضحيني في أضيافي؟ أقسم لأضربنك مائة ضربة بالعصا». فلما هم بالذي أقسم به من ضربها - أتاه الملعون إبليس، فقال: يا أيوب سبحان الله، أيحل لك أن تضرب امرأة ضعيفة، لم تجرم جرما، ولم تأت قبيحا، ولم تفعل أمرا تستحق به منك ضربا، وليس لها قوة على ضربة واحدة، فكيف مائة ضربة، فلا تهلكها، وتأثم بربك في أمرها؟! فلما تركها وكف عنها - أتاه من موضع آخر، فقال: يا أيوب سبحان الله، كيف يحل لك أن تقعد عنها، وقد حلفت لتضربنها، ولا ترجع عن يمينك، ولا تأثم بالله ربك؟! فلما رجع إليها ليضربها - أتاه بالوسوسة على مثل ما أتاه أولا، فلم يزل يفعل كذلك حتى دخله الغم، وعظم عليه الأمر، فانقلب على ظهره، وجعل يفكر وينظر، وخالطه من الوسوسة ما غلبه على أمره، فلم يزل كذلك حتى تقرح ظهره، ولزمه المرض العظيم، واشتد به الأمر، وتمادت به العلة، وذهبت ماشيته، وافترق ماله، ومات أولاده، ومرضت المرأة من الغم والحزن، فلما رأى ذلك من كان معه في المنزل - أخرجوه صلى الله عليه إلى ناحية منه على خط الطريق، وليس يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا، واشتد به البلاء، وهو مع ذلك صابر محتسب، فلما كان يوما من الأيام مضى به نفر، فلما رأوه ونظروا إلى ما هو فيه من عظم البلاء وشدة النتن - قالوا: والله لو كان هذا وليا لله لأجابه، ولكشف ضره، ولما أصابه شيء من هذا؛ فلما سمع ذلك من قولهم: {نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب}؛ فجاز أن يقول: مسني الشيطان، لما أن كان ذلك من وسوسته، وكيده وسببه؛ فاستجاب الله له، فقال: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}[ص: ٤٢]، ولم يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا؛ فضرب بعقبه، فانبثقت عليه عين؛ ففارت وارتفعت، حتى كانت أكبر من جلسته، فجعلت تنسكب عليه وهو يغتسل بمائها، وهي تقلع عنه كل ميت، وتنقي عنه ما كان به من الأقذار، وتميط عنه الأذى، وجعل يشرب منها، ويخرج ما في جوفه من العلة، حتى نقي بدنه،