تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين 38 فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون 39 فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم 40 وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم 41 ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم 42}

صفحة 36 - الجزء 3

  وجهه، وثنى شقه وجانبه، ملتفتا عن موسى، معرضا عما جاء به من الهدى، ناسبا ما جاء به موسى إلى السحر والجنون؛ وهذا شيء يفعله الجبابرة المتكبرون، الفراعنة الطاغون، فإذا سمعوا ما لا يحبون، وواجهوا ما لا يريدون - صدوا بأحد جانبهم، ولوو وجوههم مع مناكبهم، منحرفين عن من بذلك يقاربهم. معنى: {فأخذناه وجنوده} أي: أوقعناه وجنوده في النقم. معنى: {فنبذناهم في اليم}، أي: رمينا بهم في اليم، واليم فهو: البحر المالح الأعظم. {وهو مليم}، معنى: {وهو مليم}: مستوجب للعقوبة بفعله، مستدعي لدواعي اللائمة إلى نفسه، فاعل لكل ما يلام به؛ واللائمة هنا فهو: الذنب الذي عوقب عليه، ولامه الله فيه، وعاقبه عليه، وقد قيل: إن المليم هو: الصامت، المتحير الباهت، يرى من الأمر ما قد بهته وأفزعه. والقول الأول أحبهما إلي، وأصحهما عندي. {وفي عاد}، يقول: وفي عاد آية وعبرة، وتذكرة لمن أراد التذكرة. {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم}، والريح العقيم فهي: ريح العذاب الشديد الأليم، الذي لا فسحة معها، ولا فرج فيها، ولا تنفس لمن استوجبها، فلما أن لم يكن فيها راحة، ولا تخفيف ساعة واحدة - قيل: هي عقيم من الفرج والراحة، أي: لا فرج فيها، كما يقال: رجل عقيم، وامرأة عقيمة، وهما اللذان لا يلدان، ولا يكون منهما ولد، فكذلك هذه الريح الشديدة العظيمة، التي لا راحة فيها، ولا يكون منها سكون طرفة عين عن أهلها، حتى تدمر كل ما أتت عليه. معنى: {إلا جعلته كالرميم}، يقول: ضربته وطحنته، وأبادته حتى تركته مثل الرميم، والرميم فهو: الحشيش البالي، القديم العهد بالحياة الذي قد بلي، واسود وفني، ولم يبق فيه إلا فتات لا منفعة فيه.