قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم 255}
  قال تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}، والكرسي: ما يستقر عليه، ويكون محلا لما يحل فيه؛ فجعل الله السموات والأرض مستقرة في حيز ملكه، ليس يجوز أن يكون حيث هما سماء ولا أرض معهما؛ بل لو أراد أن يخلق جهاتها خلقا بعد خلق فعل؛ والجهات الست: فوق وتحت، وأمام ووراء، ويمنة ويسرة؛ فصار قوله: {وسع كرسيه السماوات والأرض} معناه: وسع ملكه السماوات والأرض، لا يمسك السماء من فوقها علاقة، ولا من تحتها عماد، ولا يمسك الأرض من فوقها ولا تحتها شيء؛ بل الله ممسك للجميع .... (إلى آخر كلامه #).
  وقال في مجموع الإمام عبد الله بن حمزة # في سياق جواب عن سؤال في معنى قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}:
  اعلم أن من يذهب إلى أن معنى الكرسي: العلم - يحمل قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض} على أن المراد به: إحاطة علمه تفصيلا وجملة بما في السماوات والأرض، حتى لا يغادر منهما، ولا مما فيهما ذبابا ولا نملة؛ فعلمه بما فوق السماوات والأرض كعلمه بما تحتهما، وبما في جوفيهما، وعلمه بما جن عليه الليل كعلمه بما أشرق عليه النهار؛ فأتبع سبحانه التمدح بإحاطته بهما: أنهما لا يؤوده حفظهما حفظا؛ لأن التمدح لا يقع بحفظ ما لم يعلم، فلما أخبر أنه عالم بهما أخبر أنه حافظ لهما. ومن قوله تعالى: {وسع كرسيه}، أي: علمه - قولهم: «علم فلان واسع» إذا كان مستدركا للغوامض، عارفا بالدقائق.
  فلما كان علمه ليس من علم المخلوقين بسبيل، وكيف وهو لا يفتقر إلى برهان ولا دليل، وطرد الآفات عليه تبارك وتقدس مستحيل - ساغ أن يقول: {وسع كرسيه السماوات والأرض}، أي: أحاط علما بالسماوات والأرض.
  وقوله سبحانه في العلم: {وسع} - وإن كان مجازا من حيث أن حقيقته في الأجسام - شائع؛ لأنه سبحانه خاطب العرب بلغتهم، وهم يخاطبون بالحقيقة والمجاز، وذلك يقتضي بأن خطابه على طريقهم، ولأن المجاز قد ورد في خطابه