قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم 255}
  على طريقتهم، ولأن المجاز قد ورد في خطابه تعالى، في قوله: {واسأل القرية التي كنا فيها والعير}[يوسف: ٨٢]، والمراد: أهل القرية، وأهل العير؛ لأن العير: الإبل، وهي بهائم لا تفهم ولا تجيب، والقرية: منازل وأبنية جماد، والجواب منها أبعد، وسؤالها لا يتوهم؛ فثبت أن المراد: واسأل أهل القرية، وأهل العير. والمجاز: ما أفيد به ما لم يوضع له، وإنما استعير له، ولم يسبقه إلى الأفهام بنفسه، ...
  (ثم ساق الكلام إلى أن قال:)
  وأما قوله سبحانه: {وسع كرسيه السماوات والأرض} على قول من يقول: إن الكرسي جسم، على ما قدمنا، فإنه يحمل قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض} على حقيقته؛ لأن السماوات والأرض عنده في جنب الكرسي، كما ورد في الخبر عن النبي ÷: «كحلقة ملقاة في فلاة»، ولا شك في كون الفلاة واسعة للحلقة وأمثالها، وذلك تشبيه منه ÷ لصغر السماوات والأرض في جنب الكرسي، كالحلقة في جنب الفلاة، ولا يقتضي ذلك كون الكرسي قرار الأرض، كما أن قوله تعالى: {كأنهن بيض مكنون}[الصافات: ٤٩] على شكل البيض والاستدارة، وإنما شبههن بالبيض في الوضاءة والصقالة؛ لأن التشبيه عند العرب يقع لوجه، والخطاب بلغتهم من الله ومن رسوله؛ فمن هناك تشبيه الرسول له بالفلاة في السعة والإحاطة.
  وهو عند من ذهب إلى أنه جسم فوق السماوات والأرض، حاف من أعلاهما، وقوله سبحانه لا يفيد كونه مكانا لهما؛ لأن المكان: ما يستقر عليه الكائن، ولم يدل دليل على أنه كذلك.
  ولفظ «وسع» قد يستعمل فيما يحيط من الجهات العلا؛ ألا ترى أنه يقال: «وسع المغفر رأس الرجل»، وإن كان فوقه، وأمثال ذلك كثيرة؛ فعلى هذا: ذكره تعالى للكرسي ووسعه للسماوات والأرض - إبانة لقدرته، وإيضاح لعظمته، بحيث أن