قوله تعالى: {والنجم إذا هوى 1 ما ضل صاحبكم وما غوى 2 وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلا وحي يوحى 4 علمه شديد القوى 5 ذو مرة فاستوى 6 وهو بالأفق الأعلى 7 ثم دنا فتدلى 8 فكان قاب قوسين أو أدنى 9 فأوحى إلى عبده ما أوحى 10 ما كذب الفؤاد ما رأى 11 أفتمارونه على ما يرى 12 ولقد رآه نزلة أخرى 13 عند سدرة المنتهى 14 عندها جنة المأوى 15 إذ يغشى السدرة ما يغشى 16 ما زاغ البصر وما طغى 17 لقد رأى من آيات ربه الكبرى 18 أفرأيتم اللات والعزى 19 ومناة الثالثة الأخرى 20 ألكم الذكر وله الأنثى 21 تلك إذا قسمة ضيزى 22 إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى 23}
  في أعلى عليين أيضا، من فوق السماء السابعة العليا؛ وهذه الآية حجة بأنه أسرى بعبده ليلة اسرائه إلى المسجد الأقصى - إلى السماء السابعة العليا، التي فوقها سدرة المنتهى، حتى رأى جبريل عندها نزلة أخرى، وهذه الآية أيضا حجة في أن الله قد خلق الجنة. {إذ يغشى السدرة ما يغشى ١٦ ما زاغ البصر وما طغى ١٧}، فالسدرة هي: سدرة المنتهى، والذي غشيها فهو: جبريل، حين رآه محمد عندها وفوقها، غاشيا لها ولغيرها، في خلقه الأعظم، الذي خلق فيه. {ما زاغ البصر}، يقول: ما عدل عنه ولا شبهه، ولا تخايله ولا ظنه؛ بل قد رآه بحقائق الرؤية وأبصره. {وما طغى}: رجع الخبر إلى محمد عليه وآله السلام، يقول: ما طغى في ما خبركم به عن ربه، ولا دخله في ذلك أشر ولا بغي؛ بل قد صدقكم عما أبصر ورأى. {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}، يقول: لقد رأى من جبريل في هذه الصورة مرة بعد مرة آية من آيات الله العظمى، لا يشبهها شيء من الأشياء. {أفرأيتم اللات والعزى}، اللات هي: قبة كانت بالطائف، والعزى فهي: أخرى كانت لهم ببطن نخلة، على مرحلتين من مكة، كانوا يزينوهما بالجوهر، والذهب والفضة، والثياب الحسنة، وكانوا يعبدونهما كما يعبدون الأصنام، ويرونهما أعظم قدرا من الأصنام. {ومناة الثالثة الأخرى}، فهو: صنم كان لهم على الكعبة؛ فعنفهم الله في عبادة مثل ذلك، يقول: أرأيتم ما تعبدون من هذه، لأي معنى تعبدونه؟! ولأي سبب تتخذونه آلهة، من دون الله، وهن لا ينفعنكم، ولا يضررنكم؟! {ألكم الذكر وله الأنثى ٢١ تلك إذا قسمة ضيزى ٢٢}: هذا في ما كانوا يزعمون من أن الملائكة بنات الله إناث، وأن لهم هم البنين الذكور، فقال الله: أي حكم هذا، أو عدل عندكم، أن تجعلوا لربكم البنات، وتجعلون لأنفسكم البنين؟! هذا إذا قسمة ضيزى، والضيزى فهي: الجائر الفاسدة، التي لم تقع على عدل، ولا على حق. {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم}، وكذب كذبتموه على الله، لم ينزل به سلطانا، والسلطان فهو: الحجة