تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى 32 أفرأيت الذي تولى 33 وأعطى قليلا وأكدى 34 أعنده علم الغيب فهو يرى 35 أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47 وأنه هو أغنى وأقنى 48 وأنه هو رب الشعرى 49 وأنه أهلك عادا الأولى 50 وثمود فما أبقى 51 وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى 52 والمؤتفكة أهوى 53 فغشاها ما غشى 54 فبأي آلاء ربك تتمارى 55 هذا نذير من النذر الأولى 56 أزفت الآزفة 57 ليس لها من دون الله كاشفة 58 أفمن هذا الحديث تعجبون 59 وتضحكون ولا تبكون 60 وأنتم سامدون 61 فاسجدوا لله واعبدوا 62}

صفحة 59 - الجزء 3

  وتعالى: {أعنده علم الغيب}: في ما فعل أنه لا يعاقب عليه، {فهو يرى}، أي: فهو يعلم ما له وعليه في ذلك. {أم لم ينبأ بما في صحف موسى ٣٦ وإبراهيم الذي وفى ٣٧}: الذي في كتبهما ª - فهو ما ذكر أنه: {لا تزر وازرة وزر أخرى}، ومعنى: {وفى} فهو: بلغ وأدى، ومعنى: {وازرة} فهي: حاملة، يقول: لا تحمل حاملة حمل أخرى، وهذا مثل؛ فالذي لا يحمل هاهنا فهو: العمل لا يحمله غير صاحبه، أي: لا يلزم عمل واحد غيره؛ بل كل إنسان مأخوذ بعمله دون غيره. {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، يقول: ليس يجب للإنسان ولا عليه إلا عمله. {وأن سعيه سوف يرى}، يقول: عمله سوف يظهر، ويوجد غدا عند الله جزاؤه؛ ألا ترى كيف يقول: {ثم يجزاه الجزاء الأوفى}، يقول: يعطى عليه العطاء الأوفى، من خير أو شر، والأوفى فهو: الذي لا يزيد ولا ينقص. {وأن إلى ربك المنتهى}، يقول: إلى الله المصير غدا. {وأنه هو أضحك وأبكى}، يخبر سبحانه: أنه الذي جعل في الإنسان استطاعة الضحك والبكاء، وركب فيه السخط والرضى. {وأنه هو أمات وأحيا}، يخبر: أن الموت منه والحياة، في مبتدأ الخلق والإعادة، بعد الموت والإنشاء. {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ٤٥ من نطفة إذا تمنى ٤٦}، فأخبر أنه يريد النطفة في الرحم حينا ذكرا، وحينا أنثى، حتى خلق من هذا الماء المهين الزوجين اللذين منهما يكون نسل الآدميين. {وأن عليه النشأة الأخرى}، يقول سبحانه: إن عليه أن يبعث الخلق ويردهم، بعد فنائهم ويردهم أحياء، يحاسبهم ويعاقبهم، ويثيبهم بأفعالهم المتقدمة؛ فالبعث من القبور هي: النشأة الأخرى؛ والنشأة الأولى: فابتداء الخلق من النطفة في الرحم بشرا كاملا. {وأنه هو أغنى وأقنى}، معنى {أغنى} فهو: رزق وأعطى، ومعنى: {أقنى} فهو: رزق وكفى، وتولى كفاية عبيده، وأرزاق خليقته. {وأنه هو رب الشعرى}، والشعرى: نجم معروف في السماء، وفي ذلك ما يقول الشاعر: