قوله تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى 32 أفرأيت الذي تولى 33 وأعطى قليلا وأكدى 34 أعنده علم الغيب فهو يرى 35 أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47 وأنه هو أغنى وأقنى 48 وأنه هو رب الشعرى 49 وأنه أهلك عادا الأولى 50 وثمود فما أبقى 51 وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى 52 والمؤتفكة أهوى 53 فغشاها ما غشى 54 فبأي آلاء ربك تتمارى 55 هذا نذير من النذر الأولى 56 أزفت الآزفة 57 ليس لها من دون الله كاشفة 58 أفمن هذا الحديث تعجبون 59 وتضحكون ولا تبكون 60 وأنتم سامدون 61 فاسجدوا لله واعبدوا 62}
  نظرتكم العشاء إلى سهيل ... أو الشعرى فطال بي الأناء
  يقول: انتظرت قراكم أن يأتي إلى طلوع سهيل أو طلوع الشعرى، فطال بي الانتظار، ولم يأت شيء. {وأنه أهلك عادا الأولى ٥٠ وثمود فما أبقى ٥١ وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ٥٢}، ومعناه: يخبر سبحانه: أنه الذي أهلك عادا الأولى، ومعنى: {الأولى}: الأولة. {وثمودا فما أبقى}: فلم يبق منهم أحدا؛ لما أن عقروا الناقة، وعصوا صالحا. {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى}، يقول: أظلم من ثمود وأطغى، ومعنى: {أطغى} فهو: أبغى، وأشر وأردى. {والمؤتفكة أهوى}، معنى: {أهوى} فهو: أهلك وأردى. {فغشاها} الله من عذابه {ما غشى}، ومعنى: {غشى}: نزل عليهم وابتلى. {فبأي آلاء ربك تتمارى}، يقول: ففي أي آلاء ربك تشك، والآلاء فهي: الآيات هاهنا والابتلاء. {هذا نذير من النذر الأولى}، معنى: {نذير} فهو: مبلغ معذر منذر. {من النذر الأولى}، يريد: كالنذر الأولى؛ يخبر: أنهم قد أنذروا كما أنذر الأولون، فإن عصوا كما عصوا أهلكوا كما أهلكوا. {أزفت الآزفة}: قربت القريبة؛ الآزفة فهي: القيامة الآخرة. {ليس لها من دون الله كاشفة}، يقول: ليس لها من بعد مجيء الله بها دافع ولا مؤخر. {أفمن هذا الحديث تعجبون ٥٩ وتضحكون ولا تبكون ٦٠ وأنتم سامدون ٦١}، يريد سبحانه: أفمن إخبارنا إياكم بالآزفة، وقرب الآخرة، ووقوع الواقعة - {تعجبون}، أي: تشكون ولا تصدقون، {وتضحكون} إذا قرئ عليكم ما تسمعون، ضحك ممتري في قولنا، شاك في وعدنا ووعيدنا. {ولا تبكون ٦٠ وأنتم سامدون ٦١}، والسامد فهو: المنصت المغموم، الهائم الوجل الراهب، الذي قد انقطع كلامه لخوف ما أمامه وقدامه. {فاسجدوا لله واعبدوا}: أمر منه سبحانه لهم بالإيمان، والتصديق بما جاء به رسولهم من الوعد والوعيد؛ والسجود فهو: وضع الجبهة على الأرض، والعبادة بالقول والطاعة.