قوله تعالى: {إذا وقعت الواقعة 1 ليس لوقعتها كاذبة 2 خافضة رافعة 3 إذا رجت الأرض رجا 4 وبست الجبال بسا 5 فكانت هباء منبثا 6 وكنتم أزواجا ثلاثة 7 فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة 8 وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة 9 والسابقون السابقون 10 أولئك المقربون 11 في جنات النعيم 12 ثلة من الأولين 13 وقليل من الآخرين 14 على سرر موضونة 15 متكئين عليها متقابلين 16 يطوف عليهم ولدان مخلدون 17 بأكواب وأباريق وكأس من معين 18 لا يصدعون عنها ولا ينزفون 19}
  الواقع بالشيء: «أتى غير مكذب حتى وقع به»، وتقول: «ما كذب حتى أصابه أو حتى ضربه»، تريد: ما انصرف ولا التوى، ولا عوج ولا عرج، حتى وقع بمن أراد أن يقع به. {خافضة رافعة}، الخافضة فهي: الخافضة لمن تخفض من الخلق عن محل الثواب، فتصيرهم بخفضها لهم إلى أليم العقاب، والخفض هاهنا فهو: من باب الإطراح والقلة والزلة. {رافعة}، فهي: رافعة للمؤمنين إلى مراتب الصالحين، مصيرة لهم إلى رضى رب العالمين. {إذا رجت الأرض رجا} هو: زعزعت للبواد والفناء فارتجت، وقلقلت للتبديل وزعزعت. ومعنى {رجت} فهو: تحريكها وقلعها. {وبست الجبال بسا}، معنى: {بست} فهو: أبيدت وأفنيت، حتى انبست بغيرها من الأشياء واختلطت، فصارت بعد العظم كالبسيس، والبسيس فهو: الشيء المائع، كالطعام المسكوب فيه الماء، وهو الدهن من السمن والزيت، وإنما أراد الله بذلك: أن يخبر: أنها تعود بعدما هي عليه من العظم إلى الذهاب والبواد، والاختلاط بغيرها من الأشياء، التي تبسها بسا، أي: تختلط بها خلطا. {فكانت هباء منبثا}، والهباء فهو: الغبار الخفي الذي يدخل مع الشمس من الكوى، والمنبث فهو: الكثير المنتشر؛ فأخبر سبحانه: أنها تعود بعدما هي عليه من الهباء، للذهاب والفناء. {وكنتم أزواجا ثلاثة ٧ فأصحاب الميمنة}، إلى قوله: {وقليل من الآخرين ١٤}، معنى: {أزواجا ثلاثة} فهي: أصناف ثلاثة. {فأصحاب الميمنة} فهم: أصحاب اليمن والبركة، والإيمان والطاعة. {وأصحاب المشئمة} فهم: أصحاب الشؤم واللعنة. {والسابقون} فهم: الذي سبقوا إلى الله بالطاعة، وقدموها إليه في الحياة الدنيا. {أولئك المقربون}، يخبر: أنهم عند الله في القيامة مدنون من كراماته، ومن جزيل ثوابه، مدخلون في جنات نعمته. {ثلة من الأولين ١٣ وقليل من الآخرين ١٤}، الثلة فهي: الجماعة الصالحة، فأخبر: أن المتقين يكونون ثلة من الأولين، ويكونون قليلا من الآخرين. {على سرر موضونة}،