تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار 2}

صفحة 105 - الجزء 3

  وجل: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ١٠ هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ١١}⁣[الأحزاب]، فكان فيمن نزل أحدا من العرب رجل أشجعي يحب الإيمان، ويبغض أهل العدوان، فأفسد بين المشركين طرا؛ وذلك: أنه أتى قريشا فقال لها: إن العرب قد ظافرت محمدا عليكم، ووعدته المحاربة معه لكم، وآية ذلك أنهم لن يبدأوه بالمحاربة، فخذوا حذركم، ولا تبدأوه حتى يقاتلوه قبلكم. ثم أتى أصحابه وبني عمه وجماعة العرب، فقال: إن قريشا قد عاقدت محمدا عليكم، وعلامة ذلك أنهم لن يبدأوه بالمحاربة قبلكم، فاعملوا لأنفسكم، ودبروا أموركم، ولا تقاتلوا حتى ترسلوا إليهم، فيقاتلوا قبلكم، فإن فعلوا وإلا فاحذروا مكرهم، والحقوا وشيكا ببلدكم. ثم أتى يهود خيبر، فقال: إن قريشا قد عاقدت محمدا عليكم، وآية ذلك أنها لا تبدأه بالمحاربة قبلكم. وأتى قريشا، فقال لها: إن اليهود قد ظافرت محمدا عليكم، وآية ذلك أنهم لا يبدأونه بالمنابذة قبلكم. فطرح في قلوب كل لكل بلاء وحقدا، ومخافة وشحناء، فأقام كل ينتظر أن يبدأ بالمحاربة غيره، فلما طال ذلك عليهم تراسلوا بينهم، يسأل كل كلا أن ينصب لرسول الله ÷ حربا، وكلهم يأمر صاحبه أن يبدأ، فصح لذلك عندهم قول الأشجعي فتفرقوا، وفسدت قلوب بعضهم على بعض، فرحلت العرب طرا راجعة إلى بلدها، وأرسل الله سبحانه الريح على قريش واليهود، وأمد المؤمنين بالنصر منه والجنود، فلم يقم لقريش خباء ولا ظل، ولا تستوقد لهم نار إلا أطفأتها الريح وفرقتها وحرقتهم بها، فأقاموا ثلاثا لا يختبزون ولا يصطلون، فاشتد عليهم القر والجوع، ورماهم الله بالذل، فأزمعوا على الرجوع، ورحلوا راجعين خاسرين، خائبين نادمين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون