قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار 2}
  بصيرا}[الأحزاب: ٩]، فرجع رسول الله ÷، فقاتل بني النضير؛ إذ نقضوا عهده، وخالفوا أمره، فحاصرهم حتى جهدوا، فقالوا: يا محمد، خلنا نخرج من البلد بما حملت إبلنا التي في الحصن معنا من متاعنا، ونخلي لك الباقي، ومالنا من الضياع، ونشرط ألا نخرج بسلاح، ونترك الديار والنخل والقرى. فرضي رسول الله ÷ بذلك، فخرجوا بإبلهم، عليها جيد متاعهم، وتحف أبوابهم، فلما قلعوا التحف تهدمت وجوه البيوت، وذلك تدبير منهم، ليخربوها عليهم، فكان أحدهم إذا هدم لحاف بيته بطل البيت، ثم خرجوا على الإبل بالتحف، فذلك قول الله سبحانه: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار}، فخرجوا جالين، ولنعمهم تاركين، وذلك قول أصدق الصادقين: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار}[الحشر: ٣]، والتعذيب فهو: القتل، فكان الرعب الذي قذفه الله في قلوبهم هو: ما كان من خذلانه لهم، حتى عمي عليهم رشدهم، وفاسدوا إخوانهم، ودخل الفزع عند ذلك من النبي والمؤمنين في قلوبهم، وأيقنوا أنه إذا علم بما كان من مظافرتهم عليه، وصاروا من الغدر به إليه - أنه لا يتركهم، وأنه يقاتلهم على فعلهم، حتى يظهر الله ø الحق، ويزهق الباطل من الخلق؛ وهذا معنى إلقاء الله الرعب في قلوب الفاسقين؛ لما أرادوا من هلاك المؤمنين، وكذلك كان فعله بأهل خيبر، حتى أخذوا وأسروا، وقتلوا وسبوا؛ فهذا قولنا في إلقاء الله الرعب في قلوب الفاسقين، لا ما ذهب إليه من خالف المحقين، وعند من قول الصدق في رب العالمين.