قوله تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون 23}
  وأبعاضها، وتقدير ألوانها وأماكنها، وتغيير طعم مأكولها واختلافها؛ فجبر السموات على ما أراد من الارتفاع، وجبل وجبر الأرضين على ما أراد من الاندحاء والاتضاع، وجبر ما بينهما على ما شاء من التصوير والخلق، والتقدير والتركيب، وجبل وجبر العباد على ما شاء من تصويرهم، وخلق ما خلق من تقديرهم، فجعلهم من ضعف، ثم جعل من بعد الضعف قوة، ثم جعل من بعد القوة ضعفا وشيبة، يخلق ما يشاء، كما قال الله سبحانه: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}[الروم: ٥٤]، وكذلك جبلهم على ما شاء من خلق أجسامهم، فجعل منهم الطويل والقصير، وجعل منهم النبيل في جسمه والحقير، وكلهم مريد للأفضل من الأمور، فكانوا كما شاء أن يجعلهم، وجعل فعله فيهم وفي غيرهم آية لهم، كما قال سبحانه: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}[الروم: ٢٢]، فكان تركيب خلقهم كما أراد من تصويرهم، لا اختلاف في ذلك ولا تفاوت، كما قال سبحانه: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ٣ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ٤}[الملك]، فالحمد لله الذي جبل العباد، وجبرهم على ما شاء من تركيب خلقهم، محبوبهم من ذلك وغير محبوبهم، ولم يجبرهم على شيء من أفعالهم، صغيرها ولا كبيرها، دقيقها ولا جليلها؛ بل أمرهم ونهاهم، وبصرهم غيهم وهداهم، ثم بعث إليهم النبيئين، فأمروهم بطاعة رب العالمين، وحذروهم أن يكونوا له من العاصين، وخلق للمطيعين ثوابا، وللعاصين نكالا وعقابا، ثم لم يحل بين أحد وبين طاعته، ولم يجبر أحدا على معصيته؛ بل أمر عباده تخييرا، ونهاهم سبحانه تحذيرا، ثم قال ذو المن والعزة والجلال، من بعد إكمال الحجة عليهم في كل حال: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا