تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة التغابن

صفحة 137 - الجزء 3

  القائل في قوله: «سبح كل شيء لربه، من حجر أو مدر، أو نجم أو شجر؛ وفي هذا المعنى يدخل ما قال الله تبارك وتعالى: {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}. {الملك}: ما جعل الله وما خلق، من السموات والأرضين، والآخرة والدنيا وما فيهما. {وله الحمد}، معنى قوله: {له الحمد} فهو: له الشكر لا لغيره؛ لأن الشكر الذي هو: الحمد - لا يجب إلا للمستحمد إلى خلقه، بنعمه وآلائه، وفضله ونعمائه؛ وذلك الله رب العالمين. قوله: {وهو على كل شيء قدير}، يخبر سبحانه: أنه على ما أراد مقتدر، وله فاعل.

  {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}: فأخبر سبحانه: بأنه الذي خلق الخلق، كافرهم ومؤمنهم، وبرهم وفاجرهم، فكان سبحانه المتولي لجميع الخلق، [يخلق] جميع الخلق من أهل الباطل والحق: خلق أبدانهم وصورها، وركب خلقهم وقدرها كيف شاء، وعلى ما شاء؛ ولم يخلق سبحانه أفعالهم وكفرهم ولا إيمانهم، ولا صلاحهم ولا ضلالتهم؛ بل كان من ذلك بريا، وعن إيجاد شيء من أفعالهم متعاليا عليا؛ فأفعاله بائنة عن أفعالهم، كما ذاته غير مشابهة لذاتهم. فأخبر سبحانه بقوله: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن}: بأن من خلقه: المؤثر لمعاصي ربه، المختار للكفر به، ومنهم: مؤثر للإيمان، مطيع للرحمن؛ فوصفهم بأفعالهم، من كفرهم وإيمانهم، ولم يصف نفسه بخلق شيء من أفعالهم؛ وكيف يخلق أفعالهم أو يوجد أعمالهم، وأعمالهم المنكرات من الأمور، من المظالم والشرور؛ فتعالى عن ذلك الواحد الرحمن، وتقدس أن يكون كذلك ذو المن والإحسان. {والله بما تعملون بصير} فأخبر سبحانه: أنه بكل ما يعمل العاملون بصير، ومعنى {بصير} فهو: عالم خبير.

  {خلق السموات والأرض بالحق}، معنى: {خلق} فهو: أوجد وفتق، وابتدع وخلق. {السموات} فهن: السموات المبنيات، المرفوعات المقدرات.