تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}

صفحة 210 - الجزء 3

  {إذ نادى وهو مكظوم}، معنى {إذ} فهو: حين. {نادى} فهو: سأل وناجى، {وهو مكظوم} يقول: وهو مكروب؛ فأخبر سبحانه بمناجاة يونس صلى الله عليه، وسؤاله لربه، وهو في حال شدته وكربه؛ إذ هو في جوف الحوت مكظوم، وشدة الحال التي هو فيها مغموم مهموم، فنادى ربه وذكره، وسأله النجاة واستغفره، فنجاه من كربه، واستخرجه من موضعه، فأعاده إلى ما كان فيه من أمره.

  {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم}، يقول سبحانه: لولا أن تداركه نعمة من ربه، بالإجابة له في دعائه، والرحمة له عند تسبيحه - {لنبذ بالعراء وهو مذموم}، يقول: لما خرج من بطن الحوت، حتى ينبذ بالعراء يوم القيامة، ومعنى «ينبذ» فهو: يخرج من البحر إلى وجه الأرض ويحشر، ويرد إلى ما كان عليه في ذلك اليوم من الخلق وينشر؛ فأراد الله بما ذكر من العراء: عراء الأرض في يوم الدين، وعند حشر جميع المربوبين؛ فلم يرد عراء الأرض في الدنيا؛ ألا تسمع كيف يقول: {فالتقمه الحوت وهو مليم ١٤٢ فلولا أنه كان من المسبحين ١٤٣ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ١٤٤}⁣[الصافات]؛ فدل سبحانه بقوله: {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ١٤٤} على: أنه لولا أن تداركه نعمة الله - لكان لابثا في بطنه حتى ينبذ بالعراء في يوم الدين، والعراء في يوم الدين هو: عراء أرض الآخرة، لا عراء الدنيا، فقال: {لولا أن تداركه نعمة من ربه}، يقول: تداركته النعمة، فخلصته من بطنه - لكان مقيما في جوفه، حتى ينبذ بالعراء في يوم حشره، وإحيائه ونشره. {وهو مذموم}، يقول: مأثوم عند الله غير سليم.

  {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين}، معنى {اجتباه} أي: رفعه وأدناه، وقربه واصطفاه. {فجعله من الصالحين}، والصالحون فهم: المصلحون، والمصلحون فهم: الذين أصلحوا ما بينهم وبين الله، حتى صلحت لهم عنده أمورهم، واتصلت بأسبابه أسبابهم، فعادوا له أولياء مطيعين، مختارين محسنين.