قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}
  {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون}، معنى {أم} فهي: هل {تسألهم}، وهي: أن تطلب منهم. {أجرا} فهو: جعلا وعطاء، على ما جئتهم به من الهدى، وما تدعوهم إليه من التقى. {فهم من مغرم مثقلون}، يقول: فهم من الغرم الذي سألتهم إياه مثقلون؛ والغرم فهو: العطاء والأجعال، التي يسألون إخراجها من الأموال. {مثقلون} فمعناها: مكلفون ما لا يطيقون، من الأجعال الذي يسألون، وأراد سبحانه بقوله: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون}: توقيفهم على أنهم لم يسألوا، على ما أعطوا وأوتوا، من الأمر الذي به خلاصهم من العذاب، وفكاك رقابهم من العقاب، جعلا، ولا عطاء ولا مالا، وأن ذلك من الله نعمة وابتداء، وعائدة وعطاء.
  {أم عندهم الغيب فهم يكتبون}، معنى {أم} يقول: هل عندهم؟ {الغيب} هو: علم الغيب. {فهم يكتبون} أي: فهم يحصون ويعرفون، ما يرجعون إليه ويعودون، فيعلمون بعلمهم الغيب ما يقولون، فيكونوا على بينة مما يصنعون، ويكونوا قد أحاطوا بعاقبة أمرهم، وفهم ما يلقونه في يوم حشرهم؛ فإن كان ذلك كذلك فهم على بينة من ذلك، وإن كانوا لا يعلمون الغيب - فإنما يتكلمون بالكذب، والريب والمحال، في القول والفعال؛ فأخبر بذلك سبحانه: أنهم غير عالمين بشيء من غيبه، ولا مطلعين على شيء من أمره، وأنهم فسقة كاذبون، فجرة معذبون.
  ثم أمر نبيئه بالصبر له وفيه، فقال سبحانه: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}، معنى {اصبر} فهو: احتمل ولا تجزع، وألزم نفسك عند الغضب والغم ولا تهلع. {لحكم ربك} يقول: لأمر ربك، الذي حكم به عليك، من الصبر عليهم، والتبليغ لرسالته إليهم، وإثبات الحجة بذلك عليهم. {ولا تكن}، يقول: ولا تفعل كفعل {صاحب الحوت}، وصاحب الحوت فهو: يونس صلى الله عليه، الذي التقمه الحوت، فكان في بطنه إلى ما شاء الله أن يكون.