قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}
  ثم أخبره أن أداء فريضة الليل في أوله فهي: أول أوقاته: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ٦}، ومعنى {أشد وطئا وأقوم قيلا ٦} فهو: أشد تمكنا لك عند ربك وأجرا، ومعنى {أقوم قيلا} فهي: أعدل طريقا، وأفضل فضلا؛ فحضه سبحانه على إقامة فرض صلاة الليل في أول وقتها، وجعل له العذر بما ذكر من سائر الأوقات التي فسرنا، إن عاقه أمر لم يجد عنه مدفعا كما شرحنا.
  ثم قال سبحانه: {إن لك في النهار سبحا طويلا ٧}، يريد بذلك سبحانه بقوله: {سبحا طويلا} أي: فراغا كبيرا، ووقتا يصلح لما تريد أن تشتغل به عن فرض صلاة ليلك في أوله، حتى لا تؤخرها إلى آخره؛ فنهاه صلى الله عليه وعلى آله بذلك عن: تخليف صلاة العتمة إلى آخر الليل لشغل من أشغاله، أو أمر من حوائجه، التي يمكنه أن يفعلهن في النهار، ولا يشتغل بهن عن الصلاة في أول الليل؛ فلم يجعل له عذرا في تأخير العشاء والعتمة عن ناشئة الليل - وهي: أوله -؛ بشيء من أشغال الدنيا، وأجاز له ذلك إذا كان: مريضا، أو مصافا للعدو أو مسافرا، أو غير واجد للماء، وجعل سبحانه لمن نزل به شيء من ذلك: ما ذكر وحدد، من تبعيض الليل، وقسمه وتمييزه - وقتا، فوجب على المؤمنين أن يميزوا بين الحالين، ويقفوا على كلتا المنزلتين، فيعملوا بهما في أوقاتهما، ولا يجعلوا الحالتين حالة واحدة سواء؛ فإن الله سبحانه قد ميزهما، ودل عليهما أهل علمه، وفهمهما أهل المعرفة؛ {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم ٤٢}[الأنفال].
  ثم أمره بذكر ربه، فقال: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ٨}، ومعنى {واذكر اسم ربك} فهو: اذكر ربك، ومعنى «اذكر ربك» فهو: قدس وكبر وعظم، ومعنى {تبتل} فهو: تفرغ له وانقطع إليه، واستسلم بكليتك في يديه، وتفرغ لعبادته ونفاذ أمره، وفي ذلك ما تقول العرب: «فلان متبتل لله»، تريد أي: