قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}
  وكائن غير مخلف، من انفطار السماء وعذاب المعذبين.
  ثم قال: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ١٩}، يريد: أن هذه الأقاويل التي نقولها، والوعد والوعيد الذي نشرحه - هو تذكرة للعالمين، وتنبيه لجميع المخلوقين؛ {فمن شاء} قبل ذلك وخافه، فـ {اتخذ إلى ربه} قبل وقوعه، أي: قبل وقوع ذلك اليوم {سبيلا} - والسبيل فهي: الوسيلة والطريق -، بما يكون منه من طاعة لربه، في أيام حياته، وقبل مواقعة وفاته.
  ثم رجع سبحانه إلى ذكر أوقات الصلاة المذكورة، التي ذكرها في أول السورة، فقال: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك}، فأخبر سبحانه: أنه يعلم أوقات قيامه عند وقت ضرورته، وعندما يكون منه ومن المؤمنين من الأمور التي تمنعهم من أداء الفرض في أول الليل؛ من ذلك: ما ذكر عنه صلى الله عليه وآله، من صلاة العشاء والعتمة بمكة، وقد غربت الشمس بسرف من بر الظهران، وذلك لما فيه من شغل السفر. ومعنى {طائفة} فهي: جماعة {ممن معك}، وقوله: {طائفة} فهي تدل على ما قلنا به من: أوقات الصلاة لأهل العلات؛ لأنه قال: {طائفة} ولم يقل: كل من معك؛ فدل على: أن من كان ذا مرض أو خوف، أو ذا سفر أو حرب - معذور في تأخير صلاة أول الليل إلى بعضه.
  ثم قال: {والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم}، يريد {تحصوه}: تثبتوه على وقت واحد، وتحيطوا به دون سائر الأوقات؛ فعلم سبحانه: أنهم كلهم لن يقدروا على أداء الفرض في وقت واحد، مع ما فيهم من العلات التي ذكرنا ووصفنا، فمنهم عليل، ومنهم مسافر، ومنهم خائف، ومنهم آمن؛ فالآمن يصلي في أول الليل، وطالب الماء يصلي إذا وجد الماء في أي أجزاء الليل وحده، وخائف يصلي عند انقضاء خوفه في نصف الليل أو آخره، ومريض يؤدي ما فرض الله عليه في وقت إفاقته في آخر ليله، وفي نصفه أو في أوله أو في ثلثه؛ فهذا معنى قوله: {أن لن تحصوه}، يقول سبحانه: علم أنكم كلكم لن