قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}
  به وتتبعوه، فكفرتم ولم تسلموا، فكان شاهدا عليكم بفعله، قائلا بالحق غدا عليكم بحجته. ثم أخبر أنه صلى الله عليه وعلى آله في التبليغ إليهم والأداء: كموسى صلى الله عليه الذي هم به مقرون، أنه كان رسولا إلى فرعون؛ فأخبره: أن سبيله # كسبيل موسى # في فرعون، أنه ينزل بهم من العذاب؛ على العصيان لمحمد صلى الله عليه وآله - ما نزل بفرعون في عصيانه لموسى #؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا ١٦}، يقول: عذبناه عذابا وبيلا، والوبيل فهو: الشديد الثقيل.
  ثم قال سبحانه: {فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ١٧}، يقول سبحانه: {فكيف تتقون}، أي: كيف تعتذرون وتخافون وتتقون ربكم غدا في هذا اليوم الذي يشيب فيه الولدان - فهو: يوم القيامة - إن كفرتم اليوم في دنياكم التي هي دار عمل وبلاء، والآخرة دار ثواب وجزاء؟! يريد سبحانه بهذا القول: أن من كفر في هذه الدنيا لم يكن ليؤمن في الآخرة، ولا يجد إلى ذلك سبيلا؛ فدلهم ﷻ، عن أن يحويه قول أو يناله - على أن العمل في الدنيا، دون الآخرة، وأن الآخرة دار الجزاء دون الدنيا؛ فإنه لا عمل إلا في الدنيا، وأنه من كفر في الدنيا لم يؤمن ويتق في الآخرة، وهو اليوم الذي يجعل الولدان شيبا، ومعنى {يجعل الولدان شيبا}: لما ينزل بهم من هوله، وعظيم ما يعاينون من أمره، فتشيب رؤوسهم من فزعه، وتشتمط من مدلهمات عجائبه.
  {السماء منفطر به}، يقول سبحانه: إن السماء تنفطر فيه؛ فقامت {به} مقام «فيه»؛ لأنها من حروف الصفات، وبعضها يخلف بعضا؛ فأراد سبحانه: أن السماء منفطر في ذلك اليوم الذي جعل الولدان شيبا، وهو: يوم القيامة؛ وانفطارها فهو: ذهابها، وتقطعها وانقضاؤها. وقوله {منفطر به} فهي: لغة لبعض العرب، تطرح الهاء من المؤنث فخرج الاسم مذكرا، تدعو كل مؤنث مذكرا، وهي في طي خاصة، ثم لغيرهم عامة؛ ألا تسمع كيف يقول: {كان وعده مفعولا ١٨}، يريد: أن كل وعد وعد الله أو وعيد - كفلق الصبح،