قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة 38}
  {قم فأنذر ٢}، فالمأمور بالقيام فهو: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ومعنى {أنذر} أي: بلغ وأخبر، وتقدم إليهم وأد الحجة التي أمرت بأدائها.
  وسبب تدثر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله: أن الوليد بن المغيرة المخزومي - لعنه الله - جمع قريشا إلى دار الندوة، ثم قال: يا معشر قريش، إن هذا الإنسان قد أدعى ما ادعى، والعرب تفد عليكم، وتأتي بلدكم، فلا يزال السائل يسأل عنه بعضكم، فيقول شيئا، ويسأل آخر، فيقول له شيئا آخر، فاشتوروا واجمعوا له أمركم وكلمتكم، حتى يكون قولكم فيه قولا واحدا؛ فما تقولون إنه؟ فقال بعضهم: مجنون. فعبس في وجهه، ثم قال: ليس هذا بقول، وليس هو - وأبيكم - بمجنون. فقال بعضهم: شاعر. فقطب في وجهه أيضا، وقال: ليس هذا بشاعر، قد صغنا الشعر وقلناه، فليس هذا على مجراه. فقالوا: ولا بكاهن؛ ليس يغبى على العرب الكاهن. فقال بعضهم: ساحر. فقال لهم: وما الساحر؟ وما يعمل؟ فقالوا: يفعل فعلا يفرق به بين المرء وزوجته، ويحبب المبغض، ويبغض الحبيب، فقال: هذا إذا؛ قد - والله - يفعل محمد ذلك، فاجمعوا كلمتكم على أنه ساحر.
  فخرجت قريش من دار الندوة، فلم يلق أحد منهم رسول الله # إلا قال: يا ساحر؛ فاشتد ذلك عليه صلى الله عليه وعلى آله، فخرج حتى أتى منزله، فطرح نفسه، وتدثر بلحافه من شدة الغم، وما نزل به لقولهم من الهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {يا أيها المدثر ١ قم فأنذر ٢ وربك فكبر ٣ وثيابك فطهر ٤}.
  معنى {ربك} أي: إلهك، وخالقك ومالكك، الذي لا خالق لك غيره، ولا مالك لك سواه، ومعنى {كبر} فهو: عظم بالطاعة، وأجل وقدس، وقل ما هو أهله، وما هو يستحقه سبحانه ويستأهله. {وثيابك} فهي: هذه الثياب الملبوسة، المعروفة باسمها، المفهومة بذكرها، ومعنى تطهيرها فهو: غسلها من