تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23}

صفحة 309 - الجزء 3

  المخلوقين: أن يعلمهم أنه لم يفعل ذلك بهم لأن يخلقهم سدى، وإنما فعل ذلك بهم - لأعظم ما يكون من المعنى، وهو: ما أراد بهم من الامتحان والاختبار، والابتلاء بالعمل في دار الدنيا، والإيجاب عليهم في يوم الدين، لما أوجب من الجزاء؛ فأعلمهم: أن من كانت هذه إرادته من خلقه - فقد بعد منه أن يجعلهم سدى، وبانت له بذلك الفعل القدرة فيهم وفي غيرهم على ما يشاء؛ ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ٤٠}.

  معنى {أليس ذلك} هو: أما ذلك؟! فيقول: أما الذي فعل ما فعل، ودبر من تقليب تدبير خلقكم ما دبر، حتى صار من الماء بتدبيره وقدرته إنسانا قويا ثابتا - {بقادر على أن يحيي الموتى ٤٠}؟! معنى {قادر} أي: مستطيع لذلك، قوي عليه، نافذ أمره فيه، ومعنى {يحيي الموتى} هو: يردهم بعد الممات أحياء؛ فأخبر سبحانه بذلك: أن إحياءه لرميمهم أجساما كابتدائه لخلق أجسامهم أولا من الماء؛ فأخبرهم: أن من ابتدأ شيئا من لا شيء - أي: جعل شيئا من غير شيء - فهو على إزالته قادر، وأنه على رده إلى الهيئة الأولى التي قد فرغ من خلقها، وأحكم تدبيرها - أقدر منه على ابتدائها، وأهون عليه في جعلها، كما قال سبحانه: {وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ٢٧}⁣[الروم]، فضرب ø ذلك لهم مثلا، كما مثلنا نحن به أيضا. وليس قوله: {أهون عليه}، ولا هو على ردها أقدر - يقتضي أن له سبحانه حالا تفاوت حالا، ولا أن شيئا يمتنع عليه ، عن أن يحويه قول أو يناله؛ بل كل ما شاء أن يكون - كان، على ما يشاء ذو الجلال والإكرام والسلطان، ولا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء، ولا يؤده حفظهما شيء، وهو السميع العليم.