تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله}

صفحة 314 - الجزء 3

  فهو: المني، والمني: الماء الذي يخرج من الرجل عند جماعه، فيقع في الرحم، ويخلقه الله ما يشاء، من الذكر والأنثى. {أمشاج نبتليه}، والأمشاج فهي: الأوصال الموصلة، والأعضاء المفصلة، والقطع المتلائمة، المضموم بعضها إلى بعض، والمعلق كل شيء منها في شيء، تدبيرا من الرحمن، في تأليف ما ألف من الإنسان. قوله: {نبتليه} أي: نختبره ونمتحنه، بما يرى من أثر تأليفنا وتقديرنا لخلقه؛ لننظر كيف يكون شكره على ذلك، لمن فطره وجعله كذلك. {فجعلناه سميعا بصيرا ٢}، يقول: خلقناه ذا سمع يسمع به، وذا بصر يبصر به؛ ليكون أعظم في النعمة، وأكثر في الابتلاء، وأثبت للحجة.

  {إنا هديناه السبيل}، معنى {هديناه} أي: إنا عرفناه وبصرناه وبينا له؛ والسبيل فهو: سبيل الله الذي هدى إليه عباده، وسبيل الله فهو: دين الله، ومراده من خلقه الذي أراده أن يعبدوه به. {إما شاكرا وإما كفورا ٣}، يقول: فلا بد أن يكون شاكرا لذلك من جعلنا، أو كافرا لما أوليناه في ذلك من نعمنا، والشاكر فهو: العارف بفضل ما أولى الذاكر له بلسانه وقلبه، والكفور فهو: المعرض عن حمد من أولاه الجميل، الذي ليس بشاكر لذلك ولا ذاكر.

  ثم أخبر سبحانه بما أعد لمن كفر نعمه، فقال: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ٤}، والسلاسل فهي: سلاسل من حديد يقرنون فيها، منها السلسلة التي قال الله تبارك وتعالى: {في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ٣٢}⁣[الحاقة]، والأغلال فهي: الأغلال المفهومة من الحديد في الدنيا، التي يغل بها المغلولون، وهي: عمد حديد تربط في الأيدي إلى الرقاب، طول كل عمود: شبرا أو أقل؛ كذلك يغل الله أعداءه في النار؛ ليكون ذلك أنكى في العذاب، وأضيق للصدور، وأشد للبلاء. والسعير فهو: لهب النار، واستعارها فهو: توقدها وتلهبها.

  ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأبرار الشاكرين، فقال: {إن الأبرار يشربون من