قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب 7}
  فادعى في المحكم أنه متشابه، وفي المتشابه أنه محكم، كما فعل السائل - أرشده الله -، ونذكر أنه لا يجوز من الحكيم تعالى: أن يخاطبنا بخطاب لا نتمكن من معرفة معناه، فإذا تقررت هذه المقدمة تكلمنا على ألفاظ المسألة إن شاء الله بما يشفي علة الطالب، ويطفئ أوار(١) الراغب، وبه نستعين.
  اعلم: أن المتشابه قد رجع به إلى المماثلة، كما يقول أهل اللغة: «هذا شبه هذا»، أي: يماثله في بعض أوصافه أو كلها، كما حكى الله سبحانه نعيم الجنة: {وأتوا به متشابها}[البقرة: ٢٥]، يحتمل: في الصور، ويحتمل: في جلالة القدر.
  وقد يرجع إلى الالتباس الذي هو الاشتباه، كما حكى سبحانه عن بني إسرائيل في فزعهم إليه في كشف اللبس؛ لقوله: {إن البقر تشابه علينا}[البقرة: ٧٠]، أي: يلتبس بعضها ببعض، ونقول: «هذا أمر مشتبه»، أي: ملتبس، كما قال أحد أهل العلم باللغة:
  فلا يخدعنك لموع السراب .... ولا تأت أمرا إذا ما اشتبه
  فعلى المعنى الأول: يحمل قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}[الزمر: ٢٣]، فوصف القرآن كله بالتشابه، والمراد بذلك عند أهل البيت $ وأتباعهم: أن بعضه يشبه بعضا في باب الحكمة، وجزالة الألفاظ، وصحة المباني.
  وعلى المعنى الآخر: يحمل قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون}؛ المتشابه بهذا المعنى: كل لفظ إذا أطلق سبق إلى فهم السامع منه معنيان، أو ثلاثة، أو أكثر، بعضها
(١) في حاشية الأصل: الأوار: حرارة النار والشمس، والعطشُ. تمت نهاية ابن الأثير.