تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب 7}

صفحة 146 - الجزء 1

  صحيح وبعضها فاسد؛ فيبقى متردد الفهم في تلك المعاني، فيقع الاشتباه عليه، حتى يميز بعضها من بعض بالبرهان العقلي والسمعي، فتكون تلك المعاني في أهل الدعاوي، ويكون المعنى العقلي والشرعي كالشاهدين العدلين، يقعان لأحد أهل الدعاوي، فيستحق المدعي، ويبطل كلام الآخرين، بعد أن يكونوا قبل الشاهدين على سواء.

  وأما المحكم فعلى وجهين أيضا: أحدهما: ما صح المراد به في باب الحكمة، وأحكمت ألفاظه، ورصفه من الخلل والغلط؛ لأن الحكم في الأصل هو: المنع، ومنه: أخذت «حكمة الدابة»؛ لأن يمنعها من العدو، فكذلك الحاكم، والحكمة تمنع صاحبها من التعدي، والمحكم: كالمانع، والممنوع من الإضلال في وجه من الوجوه أو في كل وجه؛ فعلى هذا الوجه يحمل القرآن كله على أنه محكم؛ لأن ألفاظه صحيحة، ورصفه بريء من الخلل والغلط، وعليه يحمل قوله تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت}⁣[هود: ١]، فوصف القرآن كله على هذا المعنى بأنه محكم.

  والوجه الثاني من معنى المحكم: أنه كل لفظ إذا أطلق سبق إلى فهم السامع معنى، أو معنيان، أو أكثر، تشهد بصحته دلالة العقل، وصريح السمع، يحكيه قوله تعالى: {آيات محكمات هن أم الكتاب}، فلم يصف بالإحكام على الوجه الأخير إلا البعض؛ لأنه قال تعالى: {منه آيات محكمات}، أي: أصله الذي يرجع إليه، {وأخر متشابهات}؛ فنوعه نوعين، فلولا حملنا له على هذه المعاني الصحيحة لكان - عز قائله وشرف - متناقضا؛ لأن الشيء لا يكون بصفتين متباينتين في حالة واحدة، ولا يسوغ ذلك عقل سليم.

  قلنا: «ولا يحسن أن يخاطبنا سبحانه بخطاب لا يفهم معناه»، والدليل على ذلك: أنه تعالى حكيم، والحكيم لا يفعل القبيح؛ أما أنه حكيم: فلأنه عالم غني، ولا يقع القبيح والعبث إلا من الجاهل المحتاج، وقد صح علمه بوجود الأفعال