تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة النبأ

صفحة 336 - الجزء 3

  استخفافا لها، وإنما معناها: ألا أقسم بهذا البلد، وقال سبحانه في موضع آخر، أثبتها فيه وهو لا يريدها: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ١٤٧}⁣[الصافات]، فخرج معنى اللفظ معنى شك، حين يثبت الألف، وإنما معنى الآية: وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون؛ فأثبت الألف لغير معنى؛ استخفافا لها؛ لأن العرب تفعل ذلك، وهي لغتها، وإنما خاطبهم الله ø بلغتهم. وكذلك قال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه، في طرح الألف واللام معا من الموضع الذي لا بد منهما فيه، فيما ذكر من فدية الصيام: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين}⁣[البقرة: ١٨٤]، فقال: {على الذين يطيقونه}، فخرج اللفظ لفظا يوجب الفدية على من أطاق الصيام، وإنما المعنى: وعلى الذين لا يطيقون فدية طعام مساكين؛ فجعل على من لا يطيق الصيام، - من الشيخ الكبير الفاني، والعجوز الكبيرة الفانية، اللذين لا يطيقان الصيام، ولا يرجوان تجديد قوة؛ لما قد زال عنهما من القوة، بدخول الهرم والذهاب، وزوال الشدة والشباب - الصدقة على مساكين، بدل كل يوم، حتى ينقضي شهر الصوم، فيكون كل واحد منهما يتصدق على ثلاثين مسكينا بدل الثلاثين يوما. ومقدار ما يتصدق به فهو: مد بر على كل مسكين عن كل يوم، أو غير البر مما يأكل أهل تلك الفدية. فقال سبحانه: {وعلى الذين يطيقونه}، وإنما يريد: وعلى الذين لا يطيقونه؛ فطرحها وهي أصلية في المعنى؛ لأنها لغة العرب، وبلغتهم خاطبهم الله سبحانه.

  وكذلك أثبتها في موضع ولم يردها، ولا أصل لها في المعنى، وإنما جاءت ظاهرة في اللفظ، وذلك قول الله سبحانه: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله}⁣[الحديد: ٢٩]، فقال: {لئلا يعلم}، فخرج معنى اللفظ معنى نفي، وإنما معناه معنى إيجاب، أراد الله سبحانه: لأن يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله؛ فأثبتها وهو لا يريدها، فخالف اللفظ المعنى عند من لا يعرف تفسيرها، ولا يقف على معانيها.