تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة النبأ

صفحة 337 - الجزء 3

  وفي الدليل على أن هذا الفعل لغة من لغات العرب، أفصح لغاتها عندها، وأثبتها في ألسنتها: قول شاعر من شعرائهم في طرحها وهو يريدها:

  بيوم جدود لا فضحتم أباكم ... وسالمتمو والخيل تدمى شكيمها

  فقال: «لا فضحتم أباكم»، فأثبت فيها «لا»، وليس يريدها، و «لا» لها معنى، وإنما معناها: بيوم جدود فضحتم أباكم. وقال آخر من شعراء العرب في طرحها وهو يريدها:

  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا

  فطرح «لا» كما طرح اللام، فخرج معنى الكلام معنى إيجاب، وإنما معناه معنى نفي، أراد: لئلا تشتمونا، وطرح «لا» وهو يريدها.

  فعلى ذلك يخرج معنى قوله سبحانه: {عم يتساءلون ١}؛ فطرح النون من {عم}؛ لما ذكرنا من الحجة فيها أولا، وطرح الألف من «ما»؛ لما ذكرنا من استخفاف العرب لها، واستعمال ذلك في لغتها؛ فبقيت {عم يتساءلون ١} مشددة، شددت لإدغام النون في الميم، والمعنى فيها: عن ما يتساءلون؛ غير أن اللغة والإعراب حذف منها الحرفين: النون والألف، يريد تبارك وتعالى بقوله: {عم يتساءلون ١} أي: عم يستخبرون ويتذاكرون، ويترادون ويسألون؛ توقيفا لنبيئه صلى الله عليه وعلى آله على ما يفعلون، وعلى ما فيه يترادون.

  ثم قال سبحانه: {عن النبإ العظيم ٢ الذي هم فيه مختلفون ٣}، فأخبره صلى الله عليه وآله: أن الذي كانوا عنه يتساءلون، وفي أمره يترادون - هو النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون؛ والنبأ هاهنا الذي هم فيه يختلفون فهو: ما كان ينبئهم به رسول الله صلى الله عليه وآله، ويعلمهم به، من بعثرة القبور، ومن النفخ في الصور، ومن حشر العباد، وتبديل الأرض والبلاد، والحساب والعقاب، والمناقشة والثواب. فكانوا في ذلك يختلفون، ومعنى «يختلفون» أي: