سورة النبأ
  {وجنات ألفافا ١٦}، الجنات: الحدائق الملتفات، المشتبكة فيها الأشجار المثمرات، من الفواكه كلها المأكولات، الملتذ بأكلها، المتنعم بطعمها، وغير ذلك من الأشجار، الملتذ برائحتهن، المتفكه بشمهن، من الرياحين، وغيرها من الأشجار المنورة، المختلفة بنوارها. التي تجري من تحتها المياه، قد فجرت فيها أنهارها تفجيرا، وأبهجت سبلها سبلا وسبلا، وأعد فيها مما اتخذ من مجالس دورها، ومنتزهات قصورها، فاختلفت هذه الجنان لأهلها، وتزينت لهم بما فيها؛ فإذا كانت كذلك، وكان السبب فيها على ذلك - فقد انتظمها اسم الجنان،؛ وفي ذلك ما يقول الرحمن الرحيم: {كم تركوا من جنات وعيون ٢٥ وزروع ومقام كريم ٢٦ ونعمة كانوا فيها فاكهين ٢٧ كذلك وأورثناها قوما آخرين ٢٨}[الدخان]؛ فسمى ما كان على ما ذكرنا من الأرض: جنانا، وإنما سمى ما كان من الأرض كذلك: جنانا؛ لما فيها من الملك والنعيم، والسرور والخير الكريم، فشبهت في الاسم بالجنان التي ذكر الله في الآخرة التي فيها النعيم الذي هو النعيم حقا، المقيم أبدا، فاشتبها في الاسمين، وتفاوتا - ولله الحمد - في المعنيين، والحالين والصفتين؛ وكيف لا تتفاوت، وكل ما في الآخرة فدائم أبدا، لا يعدم صيفا ولا شتاء، ولا يكون له أمد يبلغه وانتهاء، نعيمها مقيم، وملكها سرمد كريم، وما في الدنيا فيزول مع زوال الأزمنة، ولا يدوم منه شيء أبدا، ما أكل من لذيذ مأكلها إلا عدم في غير هذا الوقت من الزمان، فيتقلب مع تقلب الأزمنة، فلا يوجد منها ثمرة صيف في شتاء، ولا يوجد ثمرة الشتاء في الصيف أبدا؟! هذا مع تصرم ذلك كله وانقضائه، وخروج أهله منه بالموت وفنائه، وترك ما جمعوا لذلك لغيرهم، وما تكالبوا عليه لورثتهم.
  وكلما ذكره الله سبحانه من قوله: {ألم نجعل الأرض مهادا ٦ والجبال أوتادا ٧ وخلقناكم أزواجا ٨ وجعلنا نومكم سباتا ٩ وجعلنا الليل لباسا ١٠ وجعلنا النهار معاشا ١١ وبنينا فوقكم سبعا شدادا ١٢}، إلى قوله: