سورة النبأ
  {وجنات ألفافا ١٦}، فإنما أراد الله تبارك وتعالى بذكر ما ذكر؛ احتجاجا على المكذبين بالنبإ العظيم، بما جعل من ذلك كله وركب فيه، من الدلائل الدالة عليه سبحانه، والشاهدات على تصديق النبإ العظيم، الذي هم في تصنيف الكذب به مختلفون، فأخبر جل وعلا جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: أن في أقل مما رأوه من جعله، وعاينوا من أثر خلقه - دليل على عظيم قدرته، وصدق وعده ووعيده، وأن الذي عاينوا من أثر صنعه في هذه الأشياء - أعظم في بيان القدرة، ومضي الإرادة من نشر الموتى، وما نبأهم به رسول الله ÷ من الأشياء، التي ذكرها في يوم المعاد، وأنذر بها ورغب ورهب جميع العباد.
  ثم قال سبحانه: {إن يوم الفصل كان ميقاتا ١٧} ويوم الفصل فهو: يوم الجزاء والقطع بين العباد، والقضاء بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وبه من النبإ يكذبون؛ فسمى الله سبحانه ذلك اليوم: يوم الفصل؛ ليفصل الأمور، وتفصيلها فهو: قطع ريبها، وبيان أمرها، وثبوت صحتها عند من كان جاحدا لها. ومعنى قوله: {ميقاتا} أي: موعدا وعائدا، وغاية ومدى، وإليه يوعدون، وفيه يثابون ويعاقبون، والميقات فهو: الوقت الذي إليه يؤخر الخلق فيما يوعدون، وإليه يجتمعون، وفيه يحصلون، وإليه يجرون.
  وقوله: {يوم ينفخ في الصور}، يريد بقوله: {يوم ينفخ} أي: أن هذا الميقات واليوم الذي فيه الميعاد - هو: يوم ينفخ في الصور، والصور فهو: صور الآدميين؛ فذكر سبحانه: أنه ينفخ فيها بعد فنائها وبلائها - روح الحياة بعد الفناء والبلى، فتعود من بعد ذلك صورا أحياء، معتدلة الخلق والبناء، كما كانت عليه من الخلق أولا. ومعنى {ينفخ} هو: يجعل فيها الحياة، ومعنى «يجعل فيها الحياة» فهو: ترد إليها الأرواح في الأجساد المبتدأة؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه، فيما أمر به الملائكة $ من السجود له، عند إظهار ما يظهر من قدرته في خلق آدم صلى الله